
نظمت المنظمة المغربية للحكامة، الأربعاء بمدينة مراكش، ندوة صحافية لعرض تقريرها حول منظومة التربية والتكوين، والذي استغرق إنجازه حوالي 12 شهرا، من أجل القيام بدراسة لا تبحث عن إضافة كمية تنضاف إلى بقية الدراسات؛ بل تتوخى أن تكون مساهمتها إضافة نوعية تقف على مكامن الخلل والعطل في المنظومة التعليمية وتقترح الحلول المناسبة.
وخلص هذا التقرير إلى ضرورة تحمل كل مؤسسة معنية بالشأن التربوي لكامل مسؤولياتها مع ضمان الدولة، عبر مؤسساتها الرقابية، للمحاسبة عن أي اختلال أو تفريط، لأن الجودة لم تعد عنصرا كماليا؛ بل أضحت مطلبا شرطا في التدبير الفعال للسياسات على اختلاف مشاربها. ومن هنا، يصبح تفعيل مبادئ الحكامة والديمقراطية وقيم النزاهة والشفافية رهينا بملامستها سلوكا وإجراءات، إلى جانب تأهيل العنصر البشري من خلال برمجة تكوينات للأطر التربوية ترتقي بهم إلى مستوى معاصر وحداثي يعتمد الوسائل التكنولوجية الحديثة، والتخلي عن وسائل أثبتت عدم جدواها وفاعليتها.
وأوصت هذه المنظمة باعتماد برامج ومناهج ميسرة تلبي احتياجات المجتمع والتلميذ، وأخذ العبرة والاستفادة من درس جائحة “كوفيد” التي مر منها المجتمع المغربي، باعتماد الرقمنة بدل التعليم المباشر، التي يفترض تحسينها بما يجعلها تساهم إيجابيا في تطوير المنظومة التعليمية، والتحلي بالجرأة الكافية لمحاسبة المفسدين التربويين باختلاف مواقعهم، وابتكار آليات للتنسيق الفعال بين الفاعلين المختلفين في القطاع، باعتباره أحد أكبر التحديات التي تواجه حكامة قطاع التربية والتعليم ببلدنا، والقضاء النهائي على تضارب السياسات والاستراتيجيات في تنزيل البرامج والإصلاحات، وعدم الوضوح في تحديد المسؤوليات في بعض الجهات الإدارية.
ومن التوصيات التي طرحت خلال هذه الندوة الصحافية تكريس العدالة التعليمية بمحاربة التفاوتات المجالية والفوارق الاجتماعية، وسد الفجوة الكبيرة بين التعليم في المدن الكبرى والمناطق الريفية والنائية، والعدالة المالية في التمويل وتوزيع الموارد بشكل عادل بين الجهات بل بإعمال مبدأ التمييز الإيجابي لصالح الجهات الفقيرة، وابتكار طرق فريدة وناجعة في مواجهة معضلة الهذر المدرسي باعتباره مؤشرًا مهما على ضعف حكامة المنظومة التربوية، باعتماد برامج مندمجة تروم الرفع من قيمة الدعم المالي المدرسي المشروط للأسر الفقيرة، وبناء وتجهيز الطرق لتيسير الوصول إلى المدارس في المناطق القروية والنائية، مع ضمان تعليم جيد يعد للتشغيل.
ودعت المنظمة المغربية للحكامة إلى اعتماد نظام فعال للتقييم والمراقبة، في تتبع ورصد نتائج السياسات التعليمية على أرض الواقع، واعتماد أدوات حديثة تمكن من متابعة أداء المدارس والمعلمين والتلاميذ بفعالية.
في هذا الصدد، سجلت هذه المنظمة أن الوكالة الوطنية للتقويم والتوجيه، التي نص عليها الميثاق، لم تر النور بعد؛ وهي المؤسسة التي نرى أن يسند إليها إجراء تقويمات منتظمة للتعلمات ولأداء أطر التدريس والإدارة التربوية. وفي هذا الباب، تتكلف هذه الوكالة بالإعداد والإشراف على تقويم المستلزمات في بداية السنة الدراسية لكل المستويات والأسلاك وكذا وضع الامتحانات الإشهادية وفق معايير مضبوطة، مع حذف الامتحانات الإشهادية بالسلك الابتدائي، وجعل الانتقال من مستوى إلى مستوى أعلى بالاستناد إلى التقويمات التكوينية ومعطيات ملف التتبع الفردي للمتعلم.
وأورد التقرير أن من الوسائل الفعالة لتعزيز الحكامة في منظومة التربية والتكوين “جعل التعليم ذا قيمة مضافة للمجتمع والاقتصاد من خلال تحديث المناهج التعليمية وملاءمتها لاحتياجات سوق العمل، وتفعيل أدوار منظومة التوجيه بتوفير وسائل العمل وفضاءات الاشتغال لأطر التوجيه التربوي، مع إرجاع آلية التوجيه النشيط بين الثانويات ومؤسسات التعليم العالي، وتعزيز الرقابة المجتمعية على النظام التعليمي وضمان مشاركة فعالة من المجتمع في تحسين جودة التعليم، وتشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص”.
ومن التوصيات الأخرى التي قدمتها المنظمة المغربية للحكامة ضمن الوثيقة سالفة الذكر: “يمكن للقطاع الخاص أن يساهم في تحسين البنية التحتية التعليمية، وتوفير التكنولوجيا الحديثة، أو تقديم الدعم المالي للمؤسسات التعليمية، وتوحيد مدخلات الولوج إلى مهنة التدريس عبر الإجازة المهنية في التربية دون غيرها من الإجازات؛ مثل الإجازة في القانون التي هي أقرب إلى المهن القانونية والقضائية منها إلى المهن التعليمية”.