خبراء يفسرون شعور المغاربة بالارتياح مع العودة إلى “توقيت غرينتش”

مع عودة المغرب إلى الساعة القانونية (غرينتش) على غرار كل سنة تزامنا مع اقتراب شهر رمضان، يعبّر المواطنون عن ارتياح يصفونه بـ”الكبير” لهذا القرار. وظل المغرب لسنوات يتبنى سياسة تغيير التوقيت بشكل موسمي، قبل أن يقرّر الاحتفاظ بالساعة الإضافية على طول السنة باستثناء شهر رمضان، وهو الوضع الذي يواصل، كل سنة، إثارة جدل واسع بين المغاربة، الذين يعتبرون الساعة الإضافية غير متناغمة مع إيقاع حياتهم اليومية.

الرافضون للساعة الإضافية المفروضة على المغاربة يستشهدون بدراسات علمية وطبية عدة تؤكد أن التوقيت القانوني يتماشى بشكل أفضل مع التوازن البيولوجي والنفسي، مما يعزز شعور المغاربة بأن العودة إلى التوقيت الشتوي قرار يخدم صحتهم وراحتهم.

يضاف إلى ذلك ارتباط هذا التوقيت القانوني ارتباطا وثيقا بالعادات الدينية والاجتماعية للمجتمع المغربي، مثل أوقات الصلاة وتنظيم اليوم بين الليل والنهار، وهو ما جعل رفض الساعة الإضافية موقفا شعبيا واسعا.

وفي ظل غياب سياسة تواصلية حكومية واضحة لتبرير الساعة الإضافية، يرى المواطنون أنها لا تقدم فائدة ملموسة على المستوى الشخصي، بعيدا عن الحجج الاقتصادية أو الدولية التي تروج لها السلطات الحكومية بين الحين والآخر.

ويرى خبراء الصحة وعلم النفس الاجتماعي أن هذا الشعور بالارتياح الذي ساد خلال اليومين الأخيرين بين فئة واسعة من المغاربة، يعكس رغبة عميقة في استعادة الانسجام الطبيعي مع الزمن، الذي طالما ارتبط في الوعي المغربي بحركة الشمس والقمر كمعيار أساسي للحياة اليومية.

ويرى محسن بنزاكور، أستاذ جامعي مختص في علم النفس الاجتماعي، أن ارتياح المغاربة للعودة إلى الساعة العادية “يعود إلى توافقها مع الجانب الإيكولوجي وخطوط العرض والطول التي ينتمي إليها المغرب (غرينتش)”.

وذكّر بنزاكور، في حديث لهسبريس، بأن المغرب “هو البلد الوحيد عالميا الذي يغير توقيته في رمضان فقط ليعود إلى الساعة الإضافية بقية السنة”، معتبرا أن هذا الأمر يثير أسئلة اجتماعية ونفسية حول جدوى هذا النظام للمواطن العادي، الذي لا يجد إجابة مقنعة عن فائدة هذا التغيير على مستواه الشخصي، بعيدا عن الجوانب الاقتصادية أو الدولية، يشعر بالارتياح للعودة إلى التوقيت القانوني خلال هذا الشهر.

وأبرز أن الدراسات العلمية “تثبت وجود تناغم بين الساعة القانونية والصحة البدنية والنفسية للإنسان”، مشيرا إلى أمثلة مثل “تأثير تغيير الساعة على إنتاج الحليب وجودته عند الأبقار في فرنسا بسبب الاستيقاظ المبكر”.

هذه المعطيات التي يطلع عليها المواطن، تبرر، حسب بنزاكور، شعوره بالارتياح عند العودة إلى التوقيت القانوني، “خاصة في ظل غياب سياسة تواصلية حكومية تقنع المجتمع بضرورة الساعة الإضافية”، مما يعزز رفضها شعبيا.

وأوضح المتحدث، في السياق ذاته، أن المجتمع المغربي، بطبيعته المتدينة، يجد راحة نفسية في توافق التوقيت مع أوقات الصلاة، “حيث يشعر الناس بأن الصلاة تؤدى في وقتها وبوجود متسع من الوقت”. ويرى أن طول الليل أو النهار يصبح مصدر استمتاع للمواطن العادي عندما يتماشى مع إيقاع الحياة الطبيعي وأوقات الصلاة.

وخلص أستاذ علم النفس الاجتماعي إلى أن جوهر الإشكالية يكمن في العلاقة الطبيعية للإنسان مع الشمس والقمر، التي ترسخت في عقلية الإنسان، بما في ذلك المغاربة، كمعيار للزمن، “بحيث أصبحت الساعة الآلية (في اليد أو الهاتف) ليست المعيار الحقيقي للزمن بالنسبة إليهم، وأن تغييرها دون إقناع أو إثبات علمي يولد اضطرابا نفسيا واجتماعيا”، وهو ما يشرح التفسيرات الشعبية لرفض الساعة الإضافية والارتياح للتوقيت القانوني.

من جانبه، أكد الدكتور الطيب حمضي، طبيب باحث في السياسات والنظم الصحية، أن “المغاربة يشعرون بالارتياح للعودة إلى الساعة القانونية لأنها الأنسب لجسم الإنسان”، مشيرا إلى أن الدراسات الطبية تثبت أن التوقيت الشتوي يحترم العلاقة الطبيعية بين الإنسان والضوء، حيث خلق الله الشمس للنشاط والظلام للراحة.

وأوضح حمضي، ضمن تصريح لهسبريس، أن التوقيت الصيفي يعاكس هذا الإيقاع، حيث يذهب الإنسان للعمل في الظلام ويعود وهو متعب رغم بقاء النهار، بينما التوقيت الشتوي ينسجم مع الحياة البيولوجية ويقلل من الإرهاق، مشيرا إلى أن “الدراسات أظهرت أن تغيير التوقيت، سواء من الشتوي إلى الصيفي أو العكس، يسبب مشكلات صحية واجتماعية، لكن الانتقال إلى التوقيت الصيفي يشكل إشكالية أكبر”.

وشدّد الباحث في السياسات والنظم الصحية على أن التوقيت الشتوي “هو الأمثل للصحة”، مستندا إلى أدلة علمية، مما يبرر شعور المغاربة بالراحة والرفض الشعبي للساعة الإضافية التي لا تتماشى مع احتياجاتهم الطبيعية.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *