بعد أن اتضح لها “عدم” انعكاس الإصلاحات التي همّت أنظمة التقاعد في السنوات الأخيرة على وضعية المتقاعدين، وأن الحكومات المتعاقبة تضع هذه الفئة في “آخر” أجندة أولوياتها؛ إذ حتى إعفاء المعاشات من الضريبة أخيرا سيكون “بلا آثر واسع”، تعتزم تنظيمات هذه الشريحة، بالإضافة إلى حقوقيين، رفع مذكرة ترافعية إلى رئاسة الحكومة والوزراء المعنيين والفرق البرلمانية، وكذا النقابات، توضح فيها المداخل والإجراءات الحقيقية الكفيلة بتحسين أوضاع المتقاعدين.
واستحضرت “المذكرة الترافعية بشأن إصلاح منظومة التقاعد”، التي صاغها كل من المنتدى المغربي للمتقاعدين والعصبة المغربية لحقوق الإنسان، وقدماها اليوم الثلاثاء في ندوة بالرباط، السياق المتمثل في المعاناة من “اختلالات مؤسساتية، وفي التوزان المالي”، والإطار المتسم بعناية الدستور واهتمام الملك محمد السادس بالحماية الاجتماعية، لترفع مطلب إعداد قانون إطار للتقاعد ومدونة له، وكذا آخر يلزم الحكومة برفع المعاشات كلما ارتفع التضخم، وحذف المقتضيات التي تحرم الأرملة من المعاش.
ملف مؤجل
عادل تشكيطو، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، قال إن “فئة المتقاعدين تعرضت لظلم كبير طيلة السنوات الأخيرة، فرغم أن المفروض رد الحكومات المتعاقبة لهم جميل ما أسدوه من خدمات جليلة لهذا الوطن خلال نشاطهم يظهر من خلال كافة قوانين المالية الأخيرة أنهم يتذيلون قائمة اهتماماتها، وأن ملف المتقاعدين يبقى مؤجلا بالنسبة إليها”.
وأبرز تشكيطو، في كلمته خلال الندوة ذاتها، أن “العصبة والمنتدى ارتأيا إبلاغ كافة الفرقاء والمسؤولين المعنيين بفئة المتقاعدين بأنه حان الوقت لإيلاء الاهتمام البالغ بحقوق المتقاعدين، وذلك من خلال المذكرة الترافعية التي تقدم اليوم”، مؤكدا أنها “ستصل إلى رئيس الحكومة وكافة الوزراء المعنيين بالملف، بل أيضا إلى النقابات المغربية، إذ إن العصبة ترى أنها من المفروض أن تدافع عن المتقاعدين لأنهم كانوا نشطين بها، ولأن غالبية قياداتها متقاعدين أساسا”.
وزاد المتحدث مستغربا: “الإشكال أن هؤلاء لا يولون اهتماما لقضية المتقاعدين، ولذلك سوف تعمل العصبة على مراسلتهم، لأن هذه الفئة باتت تعاني من إشكالات كثيرة بسبب غلاء المعيشة والخدمات الصحية، ما يستدعي تدخلا عاجلا لفائدتها”.
وأوضح محمد الكيحل، رئيس المنتدى المغربي للمتقاعدين، ومنسق خلية كبار السن بالعصبة، أن “مطالب المتقاعدين لا تشمل إلغاء الضريبة على المعاش فقط، بل كذلك الزيادة فيه وتمتيعهم من خدمات تفضيلية، إلخ”، مؤكدا أن “المذكرة تجمع كل المطالب التي تخص هذه الفئة، وسبق أن نادى بها المنتدى المغربي للمتقاعدين”.
ودعا الكيحل، في كلمته ضمن الندوة نفسها، إلى “مضاعفة الجهود من أجل إحاطة المتقاعدين بما تسعى إليه العصبة والمنتدى، لأن بعضهم ابتهجوا عند سماع حذف ضريبة الدخل على معاشتهم، خصوصا أمام التسويق الإعلامي الكثيف له من قبل الحكومة”.
مطالب مركزية
رشيد أعمار، دكتور متخصص في مجال التقاعد والمتقاعدين، وعضو في المنتدى المغربي للمتقاعدين، أكد أن المذكرة الترافعية ليست عابرة، “بل تستند إلى سياق عام وتدارس للإصلاح المقياسي الذي تبينت للجانبين محدوديته”، مشيرا إلى أن هذا السياق يتمثل في “وجود اختلالات في النظام المالي لأنظمة التقاعد، خصوصا أمام تفشي البطالة، وكذا اختلالات مؤسساتية تتمثل في غياب الحكامة، وغياب إطار مرجعي للتقاعد”.
وأكد أعمار، خلال تقديمه المذكرة الترافعية، أن “الوضعية المالية الصعبة لأنظمة التقاعد دفعت بالحكومات السابقة إلى الإصلاحات المقياسية، غير أنها لم تؤد مهامها وباتت أنظمة التقاعد تعاني عجزا ماليا وصل حد الاستنزاف”، موردا أن “للمذكرة إطارا دوليا ووطنيا يتجلى أساسا في ما نص عليه الدستور وما أولاه الملك محمد السادس من اهتمام للموضوع في العديد من خطبه” التي تضمنت دعوات لتعزيز الحماية الاجتماعية وتعميم التغطية الصحية الإجبارية لتشمل التقاعد.
ومن بين ما طالب به المنتدى المغربي للمتقاعدين والعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، في المذكرة الترافعية، “الشروع بكثافة في اعتماد تصور عام للإصلاح الهيكلي موازاة مع العمل على تكريس التقارب والانسجام بين أنظمة التقاعد القائمة حاليا، وكذا الإسراع في إدراج مقاييس مماثلة بين نظام المعاشات المدنية والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد”، ناشدين “إعداد نظام تقاعد منسجم يكون ثمرة الإدماج بين النظامين المذكورين”.
ودعت المذكرة التي اطلعت عليها هسبريس إلى “اعتماد قانون إطار يتعلق بالتقاعد، وكذا اعتماد مدونة للتقاعد”، منادية بـ”حذف الأحكام التشريعية التي تحرم الأرملة في أنظمة التقاعد الإجبارية بصفة نهائية من معاش الزوج المتوفى بمجرد زواجها من جديد”، ومقترحة “إيقاف معاش الأرملة عند زواجها، وفي حالة طلاقها أو ترملها دون إمكانية الحصول على معاش تستفيد من جديد من معاش زوجها المتوفى الأول تكريسا للحماية الاجتماعية المخولة لهذه الفئة”.
وشدد المصدر نفسه على ضرورة “اعتماد قانون يلزم الحكومة كلما بلغ التضخم حدا معينا بالرفع من المعاشات حفاظا على القدرة الشرائية للمتقاعدين”؛ كما طالب بـ”تمكين الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من الموارد البشرية والمالية للقيام بالمهام الجديدة المخولة له، لاسيما المتعلقة بالتأمين الإجباري عن المرض ونظام المعاشات لفائدة الفئات المنصوص عليها في القانون رقم .99.15″، مناديا “بتقوية وتعزيز صلاحيات أجهزة التفتيش، مع إحداث هيئات مستقلة لليقظة وتتبع ومراقبة أنظمة التقاعد”.
مطالب تفصيلية
وبشأن المطالب التفصيلية الخاصة بالمنظمتين بينت المذكرة أنهما تقترحان “إعادة النظر في قاعدة وعناصر وعاء الاقتطاع لدى كل من النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد ونظام المعاشات المدنية بغاية معالجة هذا الجانب المتعلق بالتمويل”، وفي “نسبة الاشتراكات والمساهمات بين المشغل والمنخرط لتصبح اشتراكات المشغل محددة في الثلثين (2/3) ونسبة مساهمات المنخرطين في الثلث (1/3) بما يتلاءم والمبادئ الدولية”.
كما تدعو المذكرة، في هذا الصدد، إلى “مراجعة الضوابط القانونية المؤطرة لمعاش الزمانة لدى أنظمة التقاعد المدنية الإجبارية المدنية؛ فهو معاش قابل للجمع مع الأجرة وكذا مع معاش التقاعد لدى نظام المعاشات المدنية، بخلاف النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد، حيث يعتبر معاشاً لا يصرف إلا في حالة العجز الكلي الدائم والنهائي، مع منع الجمع بينه وبين الأجرة أو معاش آخر”؛ وطالبت كذلك بإعادة النظر في “تحويل المعاش بين الأيتام لدى النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد ونظام المعاشات المدنية الذي يستوجب معالجته لتصبح المقتضيات التشريعية المحددة لهذا التحويل أكثر انسجاما”.