في ليلة إفطار المطرية.. “نساء عزبة حمادة” يجهزون أكبر مائدة في مصر (قصة مصورة)

في ليلة إفطار المطرية.. “نساء عزبة حمادة” يجهزون أكبر مائدة في مصر (قصة مصورة)

في ليلة منتصف شهر رمضان، تخطف حارات ضيقة بحي المطرية الشعبي بالقاهرة أنظار المارين بالشوارع الرئيسية المطلة عليها.. فهي تلمع وتضئ وتزدحم أكثر من غيرها ويزداد صخبها بعد أن يحل الليل. فيدرك من يجهلها ويسأل عنها، أنها “عزبة حمادة” التي تتجهز في مثل هذا الوقت من كل عام لاستضافة أكبر مائدة إفطار جماعي في مصر.

ولنساء العزبة مع غيرهن دورا في إعداد نحو 45 ألف وجبة هذا العام، وهو العام الحادي عشر.

أخذت شريهان محمد (40 عاما) نصيبها من طن المحاشي المفترض تجهيزه.. فترص أمامها 10 كيلو من الباذنجان ومثلهم من الفلفل. إذ تبدأ تحضيرهم في الليلة السابقة للمائدة على أن تستكملهم صباح اليوم التالي قبل موعد الإفطار “ليكون طازجا”، كما تذكر.

يساعدها في ذلك ابنتيها “حلا” و”حنان”، وعمر الثانية 13 عاما، وهو نفس عمر المائدة التي بدأت منذ عام 2012 باستثناء عامي 2020 و2021 بسبب قيود فيروس كورونا.

وتقول “حنان” إنها “دائما ما تُعرف أصدقائها على عزبة حمادة، فيبحثون عنها ليرووا صورها”. فيما تقاطعها أمها لتكمل “بأنها شاركت في إعداد الطعام للمائدة منذ بدايتها، عندما كانت حصتها اثنان كيلو من المحاشي فقط”.. فشقيقها وشباب المنطقة هم من بدأوا تنظيمها بعدد قليل وإمكانيات ضعيفة حتى توسعت واشتهرت وصارت أكثر تنظيما عام بعد عام.

وما بين تحضيرها صنف وأخر، تلتقط “شريهان” فيديو من شرفتها لتنشره على موقع “تيك توك”، فيحقق مشاهدات عالية، ومثلها عشرات الشباب المنتشرين أسفل منزلها وبالشوارع المحيطة.

ومثلما جلبت مواقع التواصل الاجتماعي لهم شهرة ودعم وزيارات لشخصيات هامة، اتت ببعض الانتقادات، بعضها عن الزحام وأخرى عن “أن الأمر كله يبدو دعائيا”. لكن “شريهان” لا تلتفت إليها، إنما تقول: “هذه فرحتنا الكبيرة.. الكل هنا متطوع والموضوع بالنسبة لنا ليس مجرد يوم واحد”.

وفي الشرفة المجاورة تطل “أم إيريني” لتتابع ما يجري أسفلها، حيث يقف الشيفات المتطوعين ليطهون أصناف الفراخ واللحوم والأرز، غير العاملات بجزء الحلويات والعصائر.. ويجاورهم زوجها “زكريا” الذي يصعد بالصواني الجاهزة لتستقر بشقته الفارغة حتى مساء اليوم التالي.

ثم تستكمل “أم إيريني” التي تعمل أخصائية إجتماعية بمدرسة، تحضير الطعام الذي تجمع فيه بين الفراخ والمحاشي ليكون مناسبا للصائمين وغير الصائمين من ضيوف المائدة وزملاؤها بالعمل.

فيحل رمضان للعام الثاني بالتزامن مع صوم عيد القيامة.

وتقول السيدة الخمسينية: “هذه المائدة قربت الناس من بعضها أكثر”.. ثم تشير إلى أبواب الشقق بالبيت وتكمل: “فكما تري كل البيوت مفتوحة في هذه الأيام ونعمل معا”.

وفي الأسفل، افترش سيدات الأرض لإعداد المحاشي. وتقول إحدهن وهي تضحك: “نجلس بالشارع حتى لا نخرج غدا طوال اليوم.. المائدة للضيوف”.

فاعتادت نساء المنطقة ألا يخرجوا في يوم المائدة بسبب الزحام الشديد. فوصل إليهم العام الماضي، نحو 30 ألف شخص، بحسب علي أمين (أحد المنظمين) الذي توقع أن يزيد العدد هذه المره إلى الضعف وربما أكثر.

لذا زاد المنظمون من عدد الشوارع المستضيفة للمائدة إلى عشرين، على أن يكون بهم 2500 طاولة. ويتوزع حولهم نحو ألفي متطوع للتنظيم والتأمين والفرش والتوزيع وغيرها من المهام المقسمة من جانب اللجنة المشرفة المكونة من خمس أشخاص.

وبين هؤلاء المنظمين، أحمد إسلام (35 عاما) الذي يعمل مهندسا. فيمر على هؤلاء النساء ويسألهن إن كانوا بحاجة إلى شئ. ويلتفت برأسه ليقول: “من هذه الليلة، لا ننام”.

فلا يترك هاتفه الذي يدق كل ثوانِ برسائل جروب الواتس آب الخاص بالإفطار ويحمل التعليمات. ويكمل كلامه: “في يوم المائدة، نحن نفطر تقريبا في آخر الليل بعد أن يمشي الضيوف وننظف المكان”.

ولا يصدق، وهو يوزع التي شيرتات المطبوع عليها “السنة الـ11”، أن تلك الصدفة التي وقعت قبل 13 عاما تحولت إلى كل ذلك.

فكان يوم الـ15 من رمضان، وبينما يلعب شباب المنطقة كرة القدم في ساحة واسعة أمام مستشفى المطرية، انطلق آذان المغرب، فركض كل واحد منهم ليأت بطعام من بيته ويفطروا سويا مثلما يفعلوا في صباح أيام الجمع. ثم تطور الأمر شئ فشئ من 20 كرسي وطاولتين إلى أكبر مائدة إفطار في مصر.

إذ يستعدون لكل مائدة قبلها بعام كامل، يتفقون على إجراء “جمعية” يذهب كل مالها إلى المائدة، إلى جانب أي تبرعات، كما يذكر “أحمد”.

يلتقط الرجل الطعام من والدته التي عاشت أربعين عاما بالمنطقة وترى “أن التعاون بين ناسها موجود حتى من قبل المائدة” ثم تنظر معه من الشرفة المعلق بها زينة وبالونات ويقول كلاهما: “إحساس أنه عيد.. هذا عيدنا”.

خريج كلية الإعلام جامعة الإسكندرية عام 2012، متخصص في الصحافة التقنية والترفيهية، شغوف بمتابعة أحدث الابتكارات وقصص الإبداع في عالم التكنولوجيا والفنون.