في الذكرى الرابعة عشرة لحَراك عشرين فبراير، الذي أخرج إلى الشوارع المغربية مواطنين من انتماءات حزبية متعدّدة وآخرين غير منتمين، جدّدت وقفة، نظّمت الخميس أمام مبنى البرلمان بالرباط، الصدح بشعارات ارتبطت بـ”الحركة”: “الشعب يريد إسقاط الفساد والاستبداد”، “الكرامة والحرّيّة، لا مخزن لا رعية”، “عاش الشعب، عاش عاش، المغاربة ماشي أوباش”.
الوقفة التي من بين من شارك فيها شباب لم يبلغوا سنّ الرّشد لما بدأت أولى وقفات “20 فبراير 2011″، وحّد أصوات المشاركين فيها من أعمار متعددة شعار “عشرين فبراير المجيدة، في التاريخ خالدة”.
“الأمل الديمقراطي”
في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، قال الناشط الحقوقيّ عبد الحميد أمين إنّ هذه الوقفة “مثل كل سنة، تحيي ذكرى حركة عشرين فبراير المجيدة، التي لا يمكن أن ننساها لأنها شكّلت الأمل الديمقراطي للشعب المغربي”.
وأضاف الرئيس الأسبق لأكبر الجمعيات الحقوقية بالبلاد “الجمعية المغربية لحقوق الإنسان”: “هذا الأمل كان ممكنا من خلال الانتقال من دولة المخزن، إلى الدولة الديمقراطية، وهذا لم يتم للأسف نظرا لعدد من العوامل السياسية والتاريخية، ولكننا مصرون على الاستمرار وعلى استنهاض روح حركة عشرين فبراير في بلادنا”.
واستحضر المصرّح “الشعار الرائع لحركة عشرين فبراير الذي سنظل نختزنه في قلبنا: الحرية والكرامة والمساواة والعدالة الاجتماعية”، ليردف قائلا: “هذه الكلمات لن ننساها؛ لأنها ستشكل شعار مغرب المستقبل، مغرب ما بعد المغرب المخزني”.
وماذا عن اليوم؟ يجيب عبد الحميد أمين: “نترحم ونتذكر شهداء حركة عشرين فبراير، كما لا ننسى شهداء الشعب الفلسطيني. والمهم أن نقول: نحن مستمرون مع روح حركة عشرين فبراير، حتى تنتصر الديمقراطية ببلادنا”.
موجة الاحتجاج لم تتوقّف
الحقوقية سارة سوجار، التي كانت إحدى الوجوه الشابة البارزة لـ”حركة عشرين فبراير”، بعد كلمة تأبين رفيقها في الشارع المحتجّ سنة 2011، أسامة الخليفي، التي ألقتها بمقر الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، انتقلت إلى الوقفة التي اختار منظّموها وضع مبنى البرلمان خلف ظهورهم.
وفي تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، قالت سوجار: “نحضر اليوم في إطار ذكرى 20 فبراير، التي كانت مرفقة بتأبين أسامة الخليفي أحد وجوه التي ظهرت لحظة عشرين فبراير وكانت نشطة جدا، إلى جانب العديد من الصديقات والأصدقاء الذين فقدناهم. ورغم لحظات الجزر، ومنها هذه التي نعيشها، مازلنا نقاوم، وأشكال المقاومة متعددة، وتأتي بعد جيلي أجيال تستمر على المسار نفسه، فما دام هناك خرق هناك احتجاج، ومادام هناك استبداد يوجد احتجاج، وما دام هناك فساد يوجد احتجاج، وهذا لم يبدأ مع عشرين فبراير ولن يتوقف معها”.
وتقرأ الناشطة الحقوقية في استمرار إحياء هذه الذكرى “ثلاث رسائل مهمة”، أولاها: “التذكير دائما بمطالب الحركة في 2011، والتأكيد على أن الشعب المغربي لا يزال ينبض بالمطالب نفسها، والآمال نفسها في تحقيق الديمقراطية والحقوق والحريات، وهذا مطلب قديم جديد، مستمر في الزمن”.
الرسالة الثانية: “التأكيد مرة أخرى على المطالبة بالإفراج عن جميع المعتقلين، وعلى رأسهم معتقلو حراك الريف والمدونون. وهم معتقلون حملوا في حمضهم النووي مطالب عشرين فبراير بأشكال مختلفة، سواء احتجوا ضمن احتجاجات محلية مثل حراك الريف واحتجاجات مناطق مثل زاكورة وفكيك، أو احتجاجات داخل مواقع التواصل الاجتماعي، أو احتجاجات الأساتذة والأطباء وغيرهم؛ فموجة الاحتجاج لم تتوقف وعرفت مدا وجزرا، وكان جواب الدولة دائما هو القمع والاعتقال، واليوم تقمع حتى الاحتجاجات في مواقع التواصل الاجتماعي، إضافة إلى آلة التشهير، وأدوات تضييق أخرى انضافت إلى موجة الاعتقالات”.
أما ثالثة الرسائل، وفق سوجار، فعودة إلى مطالب الحركة: “فقد كنا نطالب آنذاك بتأسيس ديمقراطية حقيقية مبنية على حوار عمومي جاد، وواضح، وشفاف، تتحمل فيه الدولة مسؤولية هذه الاختلالات، والبنية الفاسدة والمستبدة التي نعيشها، وأن يتحمل جميع الفاعلين مسؤوليتهم السياسية، وعلى رأسهم الأحزاب السياسية؛ لأنه ما لم يكن موجودا لحظة عشرين فبراير هو حاضنة سياسية قوية معبرة عن هموم الناس، وهو ما استمر للأسف إلى اليوم. وبدون حوار عمومي، وبدون تفاعل إيجابي بين مؤسسات الدولة والاحتجاجات في الشارع، لا يمكن أن نزيد نهائيا إلى الأمام، والقناة بين الاثنين هي مؤسسة سياسية حاضنة قوية”.
نَبرُ الاحتقان
حول مشاركتها في إحياء الذكرى الرابعة عشرة لحركة “20 فبراير”، قالت الناشطة الحقوقية خديجة الرياضي لهسبريس: “في كل سنة نحيي ذكرى انطلاق حركة عشرين فبراير، وهذه السنة تأتي في سياق الردة والتراجع لأوضاع حقوق الإنسان؛ ما يَظهر من أعداد المعتقلين السياسيين في السجون، وتراجع الحريات، والقمع المسلط على الجميع، من أصوات حرة وصحافة مستقلة وتنظيمات تناضل وتنتقد وتعمل من أجل مغرب ديمقراطي وحقوق الإنسان”.
هذه الذكرى، بالنسبة للحاصلة على جائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، “مناسَبة أيضا للتذكير بشهداء حركة عشرين فبراير، والتذكير بأننا نرفض إفلات المتورطين في انتهاك حقهم في الحياة من العقاب، وبأننا نطالب بالحقيقة وعدم الإفلات من العقاب”.
إذن رسالة الوقفة: “أننا نتذكر كل ضحايا القمع، وسنستمر في النضال لتحقيق كل مطالب حركة عشرين فبراير: إسقاط الفساد، ودستور ديمقراطي، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وكل القضايا الأخرى التي ناضلت من أجلها الحركة”.
الناشط الحقوقي عبد الإله بنعبد السلام ذكر بدوره لهسبريس في ذكرى “الحراك”، أن الاحتجاجات التي شهدها المغرب في سنة 2011، و”شملت عشرات المدن المغربية، ورفعت مطالب إسقاط الفساد، قد “تم الالتفاف عليها، وإخراج دستور 2011 الذي لم يستجب لمطالب حركة عشرين فبراير المتعلقة بالحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية والمساواة بين النساء والرجال، ولو تضمن هذا الدستور في الباب الثاني المتعلق بالحريات الأساسية عددا من الأمور الإيجابية، ولكن، وهذا حال المغرب في عدد من الأمور (…) لا تجد مثل هذه المقتضيات طريقها إلى التنفيذ”.
لكن، في الآن ذاته، سلّط بنعبد السلام الضوء على إعطاء “حركة عشرين فبراير نفَسا قويا للمطالبات الاجتماعية، وتقليلها من منسوب الخوف لدى المواطنين والمواطنات، فبدؤوا يتظاهرون في المدن والبوادي ليطالبوا أساسا بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وهذا مكسب.
وبعد حراك عشرين فبراير، استمرت حراكات مثل حراك الريف، وحراك تندرارة، وحراك زاكورة… فنفَس 20 فبراير ومطالبها مازالا حاضرين ومستمرين”.
وقدّر الحقوقي أن “ما يمكن تسجيله على إحياء الذكرى الرابعة عشرة لحراك عشرين فبراير، هو أن السياق الراهن يعرف تراجعات كبيرة على مستوى الحقوق والحريات المدنية والسياسية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية؛ فنلاحظ استمرار اعتقال صحافيين، ومدونين، ورواد وسائل التواصل الاجتماعي، والمناهضين للتطبيع”، وهو ما يطرح، وفقه “سؤالا عريضا هو: ألم يحن الوقت لتنتبه الدولة إلى حالة الاحتقان التي يعرفها المغرب؟ وألم يحن الوقت لأن تنتبه إلى أخطائها ومقارباتها التي لا تتعامل مع الأمور بنفس حواري بقدر ما تتعامل معها بمقاربات أمنية لا تتقدّم بالأمور إلى الأمام؟”.