باحثون: مكافحة التطرف تستدعي تطوير المناهج التعليمية والإنتاجات الفنية

جددّ تخليد “اليوم العالمي لمنع التطرف العنيف عندما يفضي إلى الإرهاب” رفع ناشطين حقوقيين وباحثين في الشأن الديني مطلب تقوية حضور الخطاب الديني الوسطي المتلائم مع الهوية الدينية الوطنية داخل المناهج التعليمية المغربية، مع تصييرها نافذة لإطلاع المتمدرسين المغاربة بمختلف الأسلاك التعليمية على التعددية الثقافية والدينية للمملكة، فضلا عن مضاعفة الإنتاج الفني والثقافي “الذي يقوي مناعة المغاربة ضد كل أشكال العنف والتطرف”.

هؤلاء الفاعلون أشادوا بـ”النموذج المغربي المحتذى به في مكافحة التطرف والإرهاب، بفعل تكامل مجهودات مختلف الفاعلين، من المؤسسات الأمنية بتدخلاتها الاستباقية وصولا إلى تأطير وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للحقل الديني بخطب ووصلات رقمية متنوعة تستهدف نشر قيم التسامح والتعايش في صفوف المغاربة، وباستثمار تلك الفضاءات الرقمية التي لها نصيب كبير في توسيع التطرف”، غير أنهم أكدوا ضرورة تعضيد هذه الجهود “باستثمارات حقيقية” في قطاعي التعليم والثقافة.

حاجة حقوقية

العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان أكدت أن “المغرب نموذج يحتذى به في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، إذ تبنى إستراتيجية شاملة تستند إلى مقاربة أمنية استباقية مدعومة بإصلاحات دينية واجتماعية وثقافية”، مستحضرة دور “الجهود الأمنية المغربية، بقيادة مؤسسات متخصصة، مثل المكتب المركزي للأبحاث القضائية”، والإشراف الشامل لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية على تنظيم الحقل الديني، لضمان قيم الوسطية والاعتدال.

واعتبرت العصبة، في بيان بمناسبة تخليد اليوم العالمي المذكور، أنه رغم مختلف الجهود المبذولة في هذا الصدد، “التي أشرنا إلى بعضها، فإن (..) محاربة الإرهاب لا يمكن أن تكون فعالة دون استثمار حقيقي في التربية والتعليم؛ باعتبارهما الأساس لبناء أجيال متشبعة بقيم التسامح والتعايش”، مبرزة أنه “يجب أن تكون المناهج الدراسية أداة لتعزيز التفكير النقدي والوعي بحقوق الإنسان، مع التركيز على التعددية الثقافية والدينية كجزء من الهوية الوطنية”، وزادت أن “المؤسسات التربوية بدورها يجب أن تكون فضاءات آمنة تحمي الأطفال والشباب من التأثر بالأفكار المتطرفة وتوفر لهم الفرص لاكتشاف العالم من منظور متسامح ومنفتح”.

وبالنسبة إلى المصدر نفسه فإن الميدان الثقافي، بدوره، “أحد المجالات التي يجب أن تلعب دورا محوريا في مواجهة التطرف؛ فالمغرب بتنوعه الثقافي وتراثه الغني يمكن أن يقدم نموذجا عمليا لكيفية استثمار الفنون والآداب في نشر قيم السلام والتسامح، وذلك بدعم الإنتاج الثقافي والفني الذي يعكس روح التنوع والتعايش، ويعد أداة قوية لتفكيك خطابات الكراهية”.

“جهود تحتاج التثمين”

استنادا إلى الأبحاث التي أنجزها في موضوع “الأمن الروحي والتطرف والإرهاب في المغرب” أكد خالد التوزاني، رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي، أن “ّالمملكة تُعدُّ اليوم نموذجاً رائداً يُحتذى به في المنطقة في ما يخص جهود الوقاية من التطرف، إذ تعتمد إستراتيجية شاملة لمكافحته، تقوم بشكل كبير على الوقاية من خلال التعليم والثقافة”.

وأبرز التوزاني، في تصريح لهسبريس، أن “مشروع المغرب لتحديث المدرسة الوطنية، المنطلق قبل عقدين، شمل إدخال تعديلات واسعة على البرامج والمناهج ومحتويات تكوين الأساتذة، لتشمل قيماً تسهم في تعزيز التسامح والتعايش واحترام التنوع الثقافي والديني”، مشيرا إلى أن “مشروع المدرسة الرائدة تضمن بدوره مناهج جديدة تركز على تعليم الثوابت الدينية للمغرب وتعزيز التسامح والسلام”.

وتابع المتحدث ذاته بأن هذه المناهج “تعرّف الطلاب بمخاطر التطرف والإرهاب، وتُرسخ لديهم مهارات التفكير النقدي والقدرة على مقاومة الأفكار المتطرفة”، معرجا على أن “المغرب يُولي أهمية كبيرة للتعليم الديني المعتدل؛ حيث تم إصلاح الشأن الديني في المساجد والمدارس العتيقة والمعاهد الدينية لضمان تبني خطاب ديني وسطي ومعتدل يعكس قيم الإسلام السمحة وخصوصيات المجتمع المغربي”.

وأوضح رئيس المركز المغربي للاستثمار الثقافي أن “استثمار الإنتاج الثقافي والفني في هذا الجانب يلعب من جانبه دوراً مهماً في الوقاية من التطرف في المغرب، التي يعد بلداً غنياً بتنوعه الثقافي والفني”، معتبرا أن “مصادقة البرلمان مؤخرا على عدد من مشاريع حماية هذا التراث في تنوعه وروافده أمر سيساعد على مزيد من تقوية قيم التسامح والانفتاح، ومحاربة كل أشكال الجمود والانعزال أو الإقصاء”.

وأكد التوزاني في هذا الصدد أن “المبادرات الثقافية، من مهرجانات فنية ومعارض وغيرها، تساهم في تقوية مناعة المغاربة ضد كل أشكال العنف والتطرف؛ لأنها تسلط الضوء على القيم الإنسانية المشتركة”.

ضرورة الإشراك

عبد اللطيف الوزكاني، باحث في الشأن الديني، أكد أن “ترسيخ الخطاب الديني الوسطي وتعزيز قيم التعددية والتسامح داخل المناهج التعليمية يمثل ضرورة مستمرة لمواجهة التحديات الفكرية والثقافية التي قد تؤدي إلى التطرف والانغلاق”، مبرزا أن “التعليم العتيق بالمغرب، وعلى مدى القرون الطويلة، كان دائما مساهما في نشر قيم الاعتدال والتعايش من خلال مناهجه التي تجمع بين الفهم العميق للنصوص الشرعية والتفاعل مع الواقع المتغير”.

اعتبارا لذلك أوضح الوزكاني، في تصريح لهسبريس، أن “إشراك رجال التعليم العتيق في صياغة المناهج التربوية، وخاصة الدينية منها، يشكّل إضافة نوعية، نظرًا لما يملكونه من خبرة علمية في تقديم الدين بأسلوب متزن ومتسق مع ثوابت الأمة المغربية”، مستحضرا في ذات الصدد “انخراط وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في إنتاج محتويات ثقافية وتوعوية هادفة تسهم في نشر هذه القيم”.

وأورد الباحث في الشأن الديني أن “ذلك يتم عبر الاعتماد على الوسائل الحديثة، وخاصة مواقع التواصل الاجتماعي؛ على أن هذه الإنتاجات شملت عموما برامج دينية توعوية، وأفلاماَ وثائقية رقمية تعكس القيم الإسلامية السمحة، وتساهم في تعزيز التعايش والاحترام المتبادل بين مختلف مكونات المجتمع المغربي”.

وشدد المتحدث على أن “الجمع بين دور التعليم العتيق في المناهج التعليمية والدعم الذي تقدمه وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية عبر إنتاجاتها التوعوية والثقافية يخلق إستراتيجية متكاملة لتعزيز الوعي الديني الوسطي، وترسيخ قيم التسامح والتعددية داخل المجتمع، بما يضمن تماسكه وحفاظه على هويته في ظل التحديات المعاصرة المتعددة”.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *