تم تحديثه الأحد 2025/3/30 08:06 م بتوقيت أبوظبي
شهدت مصر جدلًا واسعًا بعد انتشار بعض المنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعي إفطار بعض المواطنين اليوم الأحد استنادًا إلى رؤية هلال شهر شوال في السعودية.
وكانت دار الإفتاء المصرية قد أعلنت أن غدا الاثنين هو أول أيام عيد الفطر. هذا التباين أثار نقاشًا فقهيًا حول مشروعية اتباع رؤية الهلال في بلد آخر، في ظل اختلاف الفتاوى بين المذاهب الإسلامية.
الخلاف الفقهي حول توحيد رؤية الهلال
تُعد مسألة توحيد رؤية الهلال من القضايا الفقهية التي طالما أثارت جدلًا بين العلماء. فمن جهة، يرى جمهور الفقهاء أن رؤية الهلال في بلدٍ ما تُلزم باقي البلدان، مستدلين بحديث النبي ﷺ: “صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين” (رواه البخاري ومسلم)، معتبرين أن توحيد الصيام والإفطار يعزز وحدة الأمة الإسلامية.
في المقابل، يرى الشافعية وبعض الفقهاء أن لكل بلد رؤيته المستقلة، مستندين إلى حديث ابن عباس رضي الله عنه، حيث جاءه كريب بخبر رؤية الهلال في الشام، فأخبره أن معاوية رضي الله عنه صام بناءً على ذلك، إلا أن ابن عباس رفض الصيام وفق رؤية أهل الشام، قائلًا: “هكذا أمرنا رسول الله ﷺ” (رواه مسلم، كتاب الصيام، باب بيان أن لكل بلد رؤيتهم).
دور الفتوى المحلية في تحديد بداية الشهور
يؤكد الفقهاء أن مسألة تحديد بداية الشهور الهجرية تُناط بالقضاء الشرعي لكل دولة، وهو ما يتجلى في حديث النبي ﷺ: “الصوم يوم تصومون، والفطر يوم تفطرون، والأضحى يوم تضحون” (رواه الترمذي وصححه الألباني، سنن الترمذي، حديث رقم 697).
ويُفهم من هذا الحديث أن الصيام والإفطار يكونان وفقًا لما تقرره السلطة الشرعية في كل بلد، ممثلةً في دار الإفتاء أو القضاء الشرعي، مما يوجب على المسلمين الالتزام بقرار علمائهم ومفتيهم.
كما جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء في السعودية: “المعتبر في إثبات دخول الشهر في كل بلد هو رؤية الهلال فيه، ولا تلزم رؤية بلد لبلد آخر إلا إذا اتحد المطلع” (فتاوى اللجنة الدائمة، المجلد العاشر، ص 99).
تأثير التكنولوجيا على رؤية الهلال
مع تطور المراصد الفلكية، أصبحت الحسابات الفلكية أكثر دقة في تحديد بداية الأشهر الهجرية. ورغم أن بعض الدول تعتمد على الشهادة البصرية المباشرة، فإن الفقهاء يقرّون بأن الهلال قد يظهر في أماكن مختلفة في أوقات متفاوتة، مما يبرر اختلاف مواعيد دخول الشهور بين الدول.
وقد أفتى المجمع الفقهي الإسلامي بأن الحسابات الفلكية يمكن أن تُستخدم كوسيلة مساعدة لنفي رؤية الهلال، لكنها لا تُعد بديلًا عن الشهادة البصرية (قرار المجمع الفقهي، الدورة الثالثة، رقم 18).
الأثر الاجتماعي والديني للخلاف
أدى اختلاف بعض المصريين في موعد الإفطار إلى تباين ردود الفعل بين من يرى أن الالتزام بفتوى بلد الإقامة واجب شرعي، ومن يعتبر أن وحدة المسلمين في الصيام والإفطار أولى، خاصة مع توفر تقنيات الاتصال الحديثة التي تنقل المعلومات فورًا.
ومع استمرار تعدد الآراء الفقهية حول هذه المسألة، يبقى الالتزام بالقرار الشرعي المحلي هو الأقرب إلى تحقيق الانضباط الديني وتجنب الفوضى التي قد تنشأ عن الاجتهادات الفردية.
رغم استمرار الجدل حول رؤية الهلال، فإن الالتزام بقرار دار الإفتاء في كل دولة يعكس الانضباط الشرعي ويمنع الفوضى في الشعائر الدينية. وبينما يسعى البعض إلى توحيد رؤية الهلال بين الدول الإسلامية، تظل الفتوى المحلية المرجع الأساسي، وفقًا لما استقر عليه جمهور الفقهاء من ضرورة اتباع ولي الأمر والجهات الشرعية المختصة في كل بلد.