هند خضيري تكتب: «لام شمسية» ليست مجرد مسلسل.. صرخة مدوية في وجه وحش التحرش الجنسي بالأطفال

هند خضيري تكتب: «لام شمسية» ليست مجرد مسلسل.. صرخة مدوية في وجه وحش التحرش الجنسي بالأطفال

منذ عامين، استقبلت في عيادتي أمًا شاحبة الوجه، باكية، تركت ابنتها المراهقة تنتظر بالخارج، كلماتها المتقطعة كشفت عن كارثة ابنتها ذات الستة عشر عامًا على علاقة بشاب، والأدهى، أنها أرسلت له صورًا لها بدون ملابس. لم يكن هذا فحسب ما فجر الوضع، بل اكتشاف الأب – بالصدفة – لمحادثات الابنة ومشاهدته لصورها الصادمة.

انهارت الأم، تتحدث عن إحساسها بالتقصير رغم تلبية كل احتياجات أبنائها. لكن الصدمة الكبرى كانت رد فعل الابنة على غضب الأب وعنفه الجسدي المبرح. وسط بكائها وصرخاتها، فجرت قنبلة مدوية: “أنا بمارس الجنس فون عارف ليه؟ عشان أخوك وأنا صغيرة كان بيفرجني على أفلام عارف أفلام إيه؟ أفلام سكس! اه، طفلة في خامسة ابتدائي عندها ١١ سنة، أخوك المحترم كان عنده ٢٥ سنة وقتها، كان بيقعدني جنبه ويخليني أتفرج وبعد كده كان بيتحرش بيه وهو اللي خلاني أحب أتفرج وكل ما كنت أكبر أبقى عاوزة أشوف أكتر وكمان بقى عادي أعمل ده!”

صمت الأب المذهول، إنكاره الشديد، وخوفه من مواجهة أخيه أو حتى إخبار والدته التي لطالما دافعت عن “ابنها الصغير”، رسم صورة قاتمة لعائلة تتهاوى أمام وحش كامن.

عندما دخلت الفتاة، كانت تحمل قناعًا من التحدي والعناد يخفي خلفه هشاشة واضحة. اعترفت بمرارة بأنها تعرف سبب وجودها. وعندما سألتها عما إذا كانت تريد إضافة شيء لما قالته والدتها، انفجر الحديث المحبوس: “قالتلك إن عمي السبب في كل اللي أنا فيه. كان بيفرجني على أفلام من وأنا عندي عشر سنين… وبعد شوية لقيت نفسي حبيت الموضوع وبقيت أتفرج أنا كمان وبعد شوية بقى يتحرش بيه. كبرت ولقيت نفسي مدمنة أفلام وبعمل علاقات مع الشباب عادي جدًا.”

وسط هذا الاعتراف المزلزل، برزت حقيقة مؤلمة: هذه الفتاة ليست “سيئة”. هي متفوقة في دراستها، تحب المذاكرة، وتحلم بدخول الهندسة، كما تعشق الرسم. ضحية، قبل كل شيء، لجريمة بشعة ارتكبها شخص كان من المفترض أن يكون سندًا وأمانًا.

أتذكر هذه الجلسة جيدًا، وأتذكر هذه الفتاة. لهذا السبب تحديدًا أقول الآن: مسلسل “لام شمسية” لم يأخذ أكبر من حجمه. بل إن حجم المشكلة التي يعالجها أكبر بكثير من أن نختزله في مجرد عمل درامي. هذه ليست مجرد قصة تلفزيونية، بل هي واقع مرير تعيشه العديد من العائلات، حيث يتحول أقرب الناس إلى جلادين.

العم، بديل الأب، يتحول إلى وحش بيداوفيلي يستغل طفلة صغيرة. البيدوفيليا ليست مجرد انحراف، بل هي اضطراب نفسي خطير يدفع صاحبه إلى استغلال الأطفال جنسيًا بأبشع الصور. البيدوفيلي شخص ذكي، يعرف ضحيته جيدًا، يستغل الظروف المحيطة بها، ويصطادها تحت غياب الرقابة أو الوعي. يبدأ باللين والهدايا، ثم ينقض على براءة الضحية، تاركًا وراءه ندوبًا عميقة تدمر حياتها وحياة أسرتها.

الأخطر في الأمر أن هؤلاء المجرمين يعيشون بيننا في صورة طبيعية، يخفون وحشهم الداخلي ببراعة، وينكرون أي مشكلة لديهم، مما يجعل من الصعب اكتشافهم أو محاسبتهم.

صحيح أن هناك أدلة تشير إلى أن المتحرشين بالأطفال قد لا يستطيعون التحكم في انجذابهم، لكن الأهم هو قدرتهم على السيطرة على أفعالهم وعدم إظهار هذه الرغبات أو ممارستها. ومع ذلك، تشير الإحصائيات الصادمة إلى أن الاعتداء الجنسي على الأطفال يمثل نسبة كبيرة من الحوادث المتعلقة بالطفل، وأن نسبة كبيرة من الجناة هم من الأقارب.

لماذا نتحدث عن هذا الآن؟ لأننا لسنوات طويلة نحاول دق ناقوس الخطر، لكننا نصطدم بالرفض والتجاهل من أولياء الأمور والقائمين على رعاية الطفل. منطقة مظلمة مسكوت عنها لاعتبارات دينية ومجتمعية زائفة. ليأتي مسلسل “لام شمسية” ويكسر هذا الصمت، ويكشف الغطاء عن البلاغة التي ذكرتها بطلة العمل، ويحدث تلك “الدوشة” الضرورية لجذب الانتباه إلى حجم الكارثة وبدء رحلة الحل.

حان الوقت لنتوقف عن دفن رؤوسنا في الرمال. حان الوقت لمواجهة هذا الوحش الذي يتربص بأطفالنا في الخفاء. حان الوقت لنتحدث بصراحة ووضوح، وتقديم الدعم للضحايا، ومحاسبة الجناة، وتوفير الحماية لأجيالنا القادمة. “لام شمسية” ليست مجرد مسلسل، بل هي صرخة مدوية يجب أن تهز ضمائرنا وتدفعنا إلى العمل.

خريج كلية الإعلام جامعة الإسكندرية عام 2012، متخصص في الصحافة التقنية والترفيهية، شغوف بمتابعة أحدث الابتكارات وقصص الإبداع في عالم التكنولوجيا والفنون.