بعد العرض العالمي الأول الذي حظي بإعجاب كبير لفيلم “50 متر”، للمخرجة المصرية يمنى خطاب، استحوذ العمل على قلوب المشاهدين مرة أخرى خلال عرضه الثاني في أحد المهرجانات السينمائية الدولية. الفيلم يروي ببراعة علاقة إنسانية عميقة بين الأب وابنته، ويكرّس مرآة عاطفية تُعبر عن الروابط العائلية وسط أطياف الحياة اليومية. عقب العرض، تم تنظيم ندوة نقاشية حملت عنوان “من يملك الحق في سرد القصص؟”، حيث شاركت يمنى خطاب برفقة المخرجة مارينا فوروبييفا وخبيرة الأنثروبولوجيا البصرية هاينا لورا نا بلانكهولم، في حوار ثري أدارته جينيفر ماريا ماتوس توندورف.
السرديات الشخصية وفن التصوير السينمائي المبتكر
خلال الندوة، تناول النقاش مفهوم السرد الشخصي في صناعة الأفلام، وعلاقة الشخصيات المحورية بجوهر القصة. عند سؤال يمنى عن اللحظة التي أدركت فيها أن والدها يمثل العمود الفقري لفيلمها، أجابت بتأمل عميق حول مراحل تطور العلاقة بينهما أثناء عملية التصوير. كما تحدثت عن كيفية تعديل نهجها الفني لتغوص في أعماق هذه العلاقة، مما أظهر جانبًا إنسانيًا أصيلًا ليس فقط من خلال الكاميرا، بل عبر التفاعل الذي انعكس على كل تفاصيل الفيلم.
مفاجآت سردية تُثري التجربة السينمائية
عندما طرحت مديرة الجلسة سؤالًا حول مدى تخطيط يمنى لحواراتها مع والدها، شاركت تجربتها بطريقة جذابة تكشف عن عفوية لقطات الفيلم. أوضحت أنه بينما خُطِّط لبعض المشاهد مسبقًا، وجدت نفسها أمام لحظات غير متوقعة جعلت التصوير أكثر تشويقًا. أشارت إلى أن المفاجآت التي قدمها والدها في الحوار، سواءً بأسئلته المختلفة أو ردود أفعاله غير المتوقعة، أضفت أبعادًا جديدة على الفيلم ورسخت القصة بمصداقية أعمق.
الإبداع التأليفي كوسيلة لتعزيز الروابط
أكدت يمنى أيضًا على استخدام تقنيات مبتكرة مثل كتابة سيناريوهات خيالية داخل الفيلم بهدف تمكين والدها من التعبير عن مشاعره ورؤاه. عبر هذه المشاهد، تمكنت يمنى من كسر حاجز الصمت بينهما وتفتح أبواب النقاش حول أسئلة وجودية تؤرقها. كان لها قدرة استثنائية على دمج العناصر السينمائية بقصتها الشخصية، مما خلق توليفة فنية مليئة بالإحساس والإنسانية.
رسالة عاطفية للجمهور
في ختام النقاش، تأملت يمنى حول الرسائل التي يأمل فريق العمل أن تصل إلى الجمهور عبر فيلم “50 متر”. عبرت عن أملها في أن يدفع الفيلم المشاهدين للتفكير في علاقاتهم الشخصية وتعزيز شعورهم بالتواصل والتفاهم مع الآخرين. كما أثنى المتحدثون الآخرون على أهمية طرح القضايا الشخصية والمشتركة في السرديات السينمائية، مؤكدين على قدرة الفن على بناء روابط عاطفية تتخطى الحواجز الثقافية والجغرافية.
داخل عمق الحوض.. قصة تقارب إنساني ملهمة
تدور أحداث الفيلم في حوض تدريب بطول خمسين مترًا لفريق مخصص لتدريبات الأيروبيك المائية للرجال فوق السبعين عامًا. وسط هذه الأجواء، تبدأ يمنى، كمخرجة شابة طموحة، في مواجهة تحدٍ غير متوقع، يتمثل في إعادة بناء علاقتها المضطربة مع والدها من خلال عدسة الكاميرا. عبر تحويل الكاميرا نحو والدها، شرعت في رحلة سينمائية مليئة بالتحديات التي تجمع الخيال بالواقع. استطاعت بجرأة أن تخترق عزلته وتشاركه تساؤلات وجودية عميقة، مما ساهم في إعادة بناء علاقتهما ومعالجة مشاعرها الداخلية.
هذا الفيلم هو أكثر من مجرد عمل وثائقي، إنه دعوة للتأمل في أهمية العائلة، قوة الفنون في خلق الحوارات الصعبة، وقدرة السرديات الشخصية على إحداث تحوّل دائم في حياة الأفراد.