كتاب نادر يكشف تفاصيل دقيقة للشهور الهجرية قبل 133 عامًا
في رحلة عبر الزمن، أثار مقطع فيديو حديث ضجة على مواقع التواصل الاجتماعي، يظهر فيه مواطن سعودي وهو يسلط الضوء على كتاب نادر يعود عمره إلى 133 عامًا، يحتوي على جداول دقيقة للشهور الهجرية ويعرض معلومات تُدهش حتى علماء الفلك. محط الأنظار كان كتابًا بعنوان “التوفيقات الإلهامية في مقارنة التواريخ الهجرية بالسنين الإفرنجية والقبطية”، والذي يعد تحفة زمنية متكاملة تهتم بمقارنة التواريخ على امتداد 1500 سنة هجرية، بدءًا من السنة الأولى للهجرة وحتى عام 1500 هجري.
كتاب تاريخي برؤية ريادية
نُشر الكتاب لأول مرة في عام 1311 هـ (1893 م) بقلم اللواء المصري محمد مختار (1835-1897)، الذي أهدى هذا العمل الخالد إلى الخديوي عباس باشا الثاني. يتميز الكتاب بجداول متسلسلة سنوية، تتيح للقراء الوصول إلى المواقيت الإسلامية والاستدلال على الأحداث الهامة في التاريخ الإسلامي والمصري. يُعتبر هذا الكتاب تقويمًا دقيقًا ومعجمًا تاريخيًا، يجمع بين العلم والدقة ليوفر مرجعًا شاملًا يوثق العقود والأحداث ببراعة استثنائية.
إرث فكري متعدد المجالات
لم يكن “التوفيقات الإلهامية” الإنجاز الوحيد لمحمد مختار؛ بل كان اللواء المصري رمزًا للإبداع وموسوعة متنقلة قدمت العديد من المؤلفات البارزة، تضمنت موضوعات عن الجغرافيا والتاريخ والرياضيات، موثقًا أعماله بلغات متعددة مثل الفرنسية والعربية. من بين أبرز مؤلفاته: “المجموعة الشافية في علم الجغرافيا ومعها أطلس جغرافي”، و”مختصر في تبيين كيفية حساب القديم وأوقات الصلاة”، بالإضافة إلى ابتكار آلة فريدة أطلق عليها “دليل القبلة الإسلامية العام”، وهو اختراع كان بمثابة معجزة تقنية في ذلك الوقت.
الجداول والهندسة: علم بمفهوم جديد
إبداعات مختار لم تقتصر على النظريات والكتب، بل تضمنت رسائل ريادية تناولت موضوعات فريدة مثل قياسات المقاييس والمكاييل والأوزان المصرية مقارنة بالنظامين الفرنسي والإنجليزي، وكذلك جداول دقيقة لخطوط الطول والعرض. عُرف بأسلوبه العلمي الذي جمع بين الابتكار وحل المشكلات العملية، حيث استطاع تقديم أدوات ساعدت في تبسيط العلوم الجغرافية والفلكية وقياسات الأرض ضمن نطاقات غير مسبوقة.
رؤية علمية سبقت عصرها
من المثير للإعجاب أن مؤلفات محمد مختار لم تكن مجرد أوراق لتوثيق الوقائع، بل حاكت قضايا علمية معقدة، مثل دراسة إمكانية استخدام ساعات عامة لكل أرجاء الكرة الأرضية، وأُقيمت بعض أبحاثه أمام لجان علمية دولية. كما ساهم في تقديم أدلة علمية دامغة على قدرة المصريين القدماء على فهم شكل الأرض، مما أضاف لرصيده العلمي قدرة فريدة على الربط بين الأزمنة والعلُوم، ليبقى عمله شاهدًا على عبقرية متجددة.
عاد الكتاب النادر الذي وصفه بعض المتخصصين بـ”مرآة الزمن”، ليعيد الحياة إلى ذكريات تاريخية ودقة حسابية مثيرة للدهشة، ويوفر فرصة للقارئ اليوم لفهم التاريخ عبر عيون أحد أهم العلماء المصريين في القرن التاسع عشر، الذي ترك بصمة فريدة على صفحات التاريخ.