
في كل لحظة تتكشف لنا أسرار جديدة عبر تدبر آيات الله البينات، وهذا ما حرص الدكتور أسامة الأزهري، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية، على استعراضه في إحدى حلقات برنامجه “اللؤلؤ والمرجان”، حيث تناول بشغف المعاني العميقة والكنوز الخفية للجزء الخامس والعشرين من القرآن الكريم، مبرزًا القيم والمعارف والدروس الحياتية التي يمكن للأمة الإسلامية أن تستمد منها حضاراتها المستقبلية.
أيام رمضان بين الفرح بالحسنات والحزن على الفراق
انطلق الأزهري في حديثه إلى أن شهر رمضان المبارك يمضي سريعًا، ليوجد تباينًا في مشاعر المسلمين بين الفرح بتمام النعمة والفضل ومنة الله، وبين الحزن على قرب وداع الأيام الفضيلة التي أخذت القلوب إلى حالة من السمو الروحي. إنها أيام مليئة بالعبادة والتأمل والدعاء، ليبقى الدعاء مستمرًا بأن يديم الله نعمه وفضله على الأمة الإسلامية.
السفن والبحار: تجليات هندسة الكون في كتاب الله
واستهلّ الأزهري تأملاته من قول الله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ الجَوَارِ فِي البَحْرِ كَالأَعْلَامِ}، موضحًا أن هذه الآية تختصر عبقرية الكون وتقدم دليلاً على عظمة الخالق. فالسفن التي تشق البحار برشاقة، تعتمد على علوم متقدمة في الفلك والملاحة والنجوم التي علّمها الله للبشر. ومن هذا المنطلق، كانت الحضارة الإسلامية سباقة في تطوير علوم البحار والنجوم، لتستكشف العالم بأسره.
وسلط الضوء على الشغف الإسلامي بالاستكشاف والعلوم، متناولاً دور العالم المسلم أحمد بن ماجد، الذي كان نبراسًا في علم البحار وترك أثرًا كبيرًا في توجيه المستكشفين الغربيين، الذين استعانوا بمعرفته للوصول إلى أقاليم جديدة. وبيّن الأزهري أن هذا التفوق يرتكز على إشارات القرآنية الخالدة مثل: {وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ}، التي تحثنا على التأمل واكتشاف أسرار الكون.
الرياح والسفن البخارية: انتقال الحضارات عبر الزمن
وانتقل الأزهري إلى وصف آخر لمعجزة الخالق في قوله تعالى: {إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ}. موضحًا كيف كانت الرياح تمثل المحرك الرئيسي في التنقل البحري عبر التاريخ، إلى أن جاءت السفن البخارية في القرن التاسع عشر لتغير مجرى العالم. فمع اختراع السفن البخارية، ظهرت ثورة صناعية وتحولات اقتصادية سرّعت من إيقاع الحياة البشرية. وأكد الأزهري أن المسلمين مدعوّون لإعادة هذا المجد من خلال تعزيز الاهتمام بالعلوم والاستفادة من المعرفة في مسيرة التقدم الحضاري.
آيات الرحمة والسماحة ودروس ضبط النفس
وعرج الأزهري إلى الجانب الأخلاقي، حيث تناول قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ}. تلك الآية التي تقدم درسًا عظيمًا عن أهمية ضبط النفس عند الغضب، وتعزيز قيم التسامح. واستشهد بحديث النبي ﷺ: “الغضب جمرة توقد في القلب… فإن الغضب من النار، وإن النار لا يطفئها إلا الماء”، مبرزًا كيف يمكن لهذه الأخلاقيات أن تسهم في بناء علاقات إنسانية متينة ومجتمعات متماسكة.
مصر في القرآن: مجد الماضي ورؤية المستقبل
ومن بين ما يزخر به الجزء الخامس والعشرين من القرآن، أشار الأزهري إلى وصف مصر العظيم في قوله تعالى: {كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيونٍ، وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ}. مؤكداً أن هذا الوصف القرآني الخالد يلقي الضوء على مجد مصر الذي يجب أن يُستعاد عبر العمل الجاد واستغلال الموارد والخيرات لتحقيق النهضة والتنمية في كل المجالات.
قصة التبابعة: دروس التاريخ وعمق الرسالة الإلهية
واختتم الأزهري تأملاته بالحديث عن التبابعة، ملوك اليمن القدماء، مستعرضًا قصة الملك الصالح “تُبَّع” الذي أدرك عظمة الرسالة المحمدية قبل مئات السنين من بعثتها، وأبدى حبًا واحترامًا خاصًا للمدينة المنورة ونبي آخر الزمان. وأكد أن حب الله لعباده الصالحين يجعلهم محبوبين من كل شيء في هذا الكون، حتى الجمادات، داعيًا الجميع للسعي ليكونوا من أحبّاء الله عن طريق العمل الصالح وفعل الخير.
بهذه الدروس المؤثرة، يدعونا القرآن الكريم للتأمل والتفكير ليس فقط في آياته، ولكن أيضًا في كيفية الاستفادة منها لتطوير حياتنا وبناء مستقبلنا، فكل آية تحمل بين حروفها رسالة، وكل تدبّر يفتح أبواب الخير والبصيرة.