
تحل علينا اليوم ذكرى وفاة واحد من أعظم الموسيقيين في تاريخ الفن العربي، الموسيقار محمد القصبجي، الذي غادر عالمنا في مثل هذا اليوم من عام 1966، تاركًا وراءه إرثًا حافلًا بالإبداع الموسيقي وبصمة خالدة تجلت بوضوح في حفلات أم كلثوم وأعمالها الخالدة التي نُقشت في ذاكرة الأجيال.
ولد محمد القصبجي في 15 أبريل 1892، وكان له الفضل في اكتشاف كوكب الشرق أم كلثوم، التي آمن بموهبتها منذ اللحظة الأولى. منذ عام 1923، بدأت رحلته الفنية معها عندما كانت تؤدي القصائد الدينية المادحة للرسول، وقد وجد في صوتها ما يستحق أن يُبذل الجهد من أجله، فاختار أن يكون جزءًا من مسيرتها، ليضع بصمته على العديد من أغانيها التي شكلت التحول الكبير في تاريخ الموسيقى العربية.
أعمال لا تُنسى تروي عبقرية القصبجي
كانت بداية التعاون بين محمد القصبجي وأم كلثوم بأغنية “قال حلف ما يكلمنيش”، حيث شهدت هذه الأغنية أولى ملامح التناغم الفني بينهما، ليقوم القصبجي أيضًا بتأسيس أول “تخت شرقي” يصاحبها خلال حفلاتها. بعد هذا النجاح المبكر، جاءت أغنية “رق الحبيب” التي أصبحت علامة فارقة في حياتها الفنية، تاركة وراءها سلسلة من النجاحات الأخرى مثل “أوبرا عايدة”، “يا صباح الخير”، “ما دام تحب”، و”إن كنت أسامح وأنسى الأسية”، لتشهد تلك الفترة أوج تعاونهما الفني.
ومع بزوغ نجم أم كلثوم وتعدد الخيارات أمامها، بدأت تميل إلى ألحان رياض السنباطي ومحمد الموجي، وهو ما تسبب في تراجع دور القصبجي كملحن رئيسي لها. لكن هذا التغيير لم يمنعه من البقاء بجوارها، حيث قرر أن يحتفظ بمكانته في فرقتها الموسيقية كعازف عود صامت، متحليًا بشموخ المحب الذي آثر أن يتوارى إلى الظل رغم ألمه.
قصة عشق محفوفة بالتضحيات
كانت علاقة القصبجي بأم كلثوم تفوق إطار العمل، حيث وصف الكاتب طارق الشناوي في كتابه “أنا والعذاب وأم كلثوم” القصبجي بالعاشق الذي ضحى بالكثير من أجل حبه للست. ويُحكى أن القصبجي عاش صدمة كبيرة عندما علم بخبر ارتباط أم كلثوم بالموسيقار محمود الشريف، حيث تأثر لدرجة دفعته لمواجهة شخصية يائسة انتهت باحتواء أم كلثوم للموقف بنظرة غاضبة، أعادت الأمور إلى نصابها وأظهرت عمق احترامها تجاه مشاعره.
محمد القصبجي، هذا الاسم الذي يقترن بالإبداع اللامحدود، سيظل خالدًا في ذاكرة الموسيقى العربية، فقد كان رمزًا للعطاء والحب الصادق، الذي تجلى في ألحانه وإبداعاته، ليكون وما زال مدرسة فنية تلهم الأجيال الجديدة من عشاق الفن.