في ظل تعاليم الإسلام السمحة التي تحض على الاحترام والتقدير، أظهر فضيلة الإمام أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، معاني عميقة من آيات الله القرآنية التي تدعو المسلمين إلى مراعاة آداب التعامل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع الكبار بوجه عام، مشددًا على أهمية استعادة قيم الاحترام الرفيعة التي بدأت تتراجع في عصرنا الحديث.
مكانة النبي صلى الله عليه وسلم وتوجيهات القرآن في مخاطبته
أوضح فضيلة الإمام الطيب أن قوله تعالى: “لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا” يتحدث عن ضرورة الالتزام بأدب النداء مع النبي صلى الله عليه وسلم. فقد كان بعض الصحابة ينادونه باسمه، فجاء التوجيه الإلهي ليعظّم مكانته عليهم ويحثهم على مناداته بـ”يا رسول الله” أو “يا نبي الله”، تأكيدًا على أنه صلى الله عليه وسلم صاحب الوحي والذي أحسن الله سبحانه وتعالى تأديبه، ليرتقي بشخصيته لمنزلة الإنسان الكامل كما يوصف بمصداق قوله صلى الله عليه وسلم: “أدبني ربي فأحسن تأديبي”.
تأثير التربية والإعلام على قيم الاحترام
أشار الإمام الطيب إلى أن هناك تراجعًا كبيرًا في مستويات التربية داخل الأسر والمدارس، فضلًا عن تأثير الإعلام الحديث ووسائل التكنولوجيا على تشويه الفطرة الإنسانية ونشر سلوكيات لا تتماشى مع الأخلاق الإسلامية. ورغم هذه التحديات، أكد فضيلته أن الأمة الإسلامية تبقى تحت عناية الله الذي يبعث دائمًا من يجدد دعائم القيم والأخلاق ليواجه التأثيرات الوافدة التي أشبه بالغيوم الداكنة التي تلوح في الأفق.
قرب الله عز وجل من عباده واستجابة الدعاء
وحول قوله تعالى: “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ”، أوضح الإمام الطيب أن القرب المشار إليه ليس قرب مكانة، بل هو قرب سمع وعلم ورحمة. فالآية جاءت ردًا على سؤال الصحابة: “أقريب ربنا فنناجيه أم بعيد فنناديه”، لتؤكد على أن الله تعالى يحب من عباده التوجه إليه بالدعاء والتضرع، ليس لأنه يحتاج الطاعة، ولكن لأن صفاته الإلهية تتجلى في الإكرام والعفو والغفران لمن يدعوه بصدق وإخلاص.
ما الفرق بين الدعاء والتسبيح؟
اختتم الإمام الطيب حديثه ببيان العلاقة بين الدعاء والتسبيح، حيث أوضح أن الدعاء هو طلب العبد من ربه، بينما التسبيح هو تعظيم وتنزيه وثناء على الله عز وجل. كما أشار إلى أن الدعاء يعد من الصدقات الجارية، خاصة إذا صدر من ولد صالح لأحد والديه بعد وفاته، مصداقًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”. وشدد على أن شرط استجابة الدعاء هو أن يقدم الإنسان على الله بثقة مطلقة بأنه وحده النافع الضار، وأن مشيئته فوق كل شيء.
في هذه الرسائل العميقة لقيم الإسلام، تتجلى دعوة الأزهر الشريف لمواصلة غرس الأخلاق السامية التي تعكس أصالة الدين الإسلامي وشموليته مهما اختلفت العصور وتغيرت الظروف.