في ظل تسليط الأضواء المستمر على القطبين الكبيرين، الأهلي والزمالك، تتوارى في الخلفية قصص مشرقة لنجوم اختاروا مسارًا مختلفًا، متجاهلين ضجيج الديربي وصخب الجماهير المنقسمة. هؤلاء اللاعبون صنعوا أمجادهم بعيدًا عن ألوان القلعتين الكبيرتين، وسطروا أسماءهم بحروف ذهبية في تاريخ الكرة المصرية، ليبرهنوا أن المجد لا يقتصر على أعتاب الجزيرة وميت عقبة فقط. من أندية الأقاليم وحتى الشواطئ الشمالية والجنوبية، خرجت أساطير هزت شباك الخصوم وأثارت إعجاب الجماهير.
إبراهيم المصري: رمز الوفاء وأسطورة بورسعيد
بينما يبحث البعض عن الأضواء، اختار إبراهيم المصري طريقًا آخر صنع به إرثًا خالدًا مع النادي المصري البورسعيدي. لُقب بـ”مارادونا مصر” نظرًا لمهاراته الفذة وسرعته الفائقة، وكان أحد أبرز اللاعبين الذين رفضوا إغراءات القطبين، مفضلًا أن يظل ضمن صفوف الفريق الذي جعله رمزًا لجماهير المدينة الباسلة.
منذ خطواته الأولى على المستطيل الأخضر، أظهر المصري موهبة استثنائية ومهارات جعلته يشبه “مارادونا”، ليس فقط كوصف بل كحقيقة أثبتها بأهدافه الساحرة وتسديداته الصاروخية. لكن تميزه لم يتوقف عند حدود الأداء الفردي، بل استمر في رفع راية بلاده عاليًا وهو يرتدي قميص المنتخب الوطني.
مسيرة ذهبية في البطولات
امتدت مسيرة إبراهيم المصري لتشمل إنجازات كبرى على الصعيدين المحلي والدولي. ففي عام 1991، توج ببطولة كأس الأمم الإفريقية تحت 20 عامًا مع منتخب الشباب، وشارك في كأس العالم للشباب بالبرتغال في نفس العام. كما شارك مع المنتخب الأولمبي في أولمبياد برشلونة عام 1992، وأحرز لقب كأس العرب في سوريا بنفس العام، إلى جانب تواجده في بطولات كبرى مثل كأس الأمم الإفريقية عامي 1994 و1996.
على الصعيد المحلي، برز المصري كقائد استثنائي للنادي المصري، محققًا للفريق بطولتي كأس الاتحاد المصري التنشيطية عام 1992، وكأس مصر في 1998. كما قاد الفريق لتحقيق إنجازات مشرفة في البطولات الإقليمية، أبرزها نصف نهائي بطولة إفريقيا للأندية الفائزة بالكؤوس عام 1999، والمراكز المتقدمة في البطولة العربية للأندية عام 1999 والكأس الكونفدرالية عام 2002.
الوفاء الذي لا يُنسى
رفض إبراهيم المصري، طوال مسيرته، عروضًا مغرية للانتقال إلى الأهلي أو الزمالك، ليؤكد أن الانتماء والولاء هما الأساس الحقيقي لأي لاعب يحترم قميص فريقه. بقي مخلصًا للنادي المصري، حيث تحول إلى أيقونة خضراء ورمز للمدينة الباسلة. حتى عندما اعتزل الملاعب في عام 2002، استمرت جماهير بورسعيد في سرد حكايات المجد التي كتبها بقدميه.
لم يكن إبراهيم المصري لاعب كرة قدم فقط، بل كان مدرسة للانتماء والتضحية، وشخصًا علّم الأجيال أن الولاء يتفوق على الإغراءات المادية. اسمه سيظل خالداً في تاريخ الكرة المصرية، كرجل صنع التاريخ، وأثبت أن الأساطير الحقيقية تُصنع بالإرادة والشغف.