
في ظل تصاعد الاهتمام العالمي بإرث الحضارة المصرية القديمة، أثارت تصريحات فريق بحثي يتألف من علماء إيطاليين وأسكتلنديين، بقيادة كورادو مالانجا وفيليبو بيوندي، جدلاً واسعًا حول وجود هياكل غامضة تحت هرم خفرع. الدراسة اعتمدت على تقنية رادار متقدمة واستندت إلى افتراضات تفيد بوجود أسطوانات عمودية وهياكل مكعبة أسفل الهرم، وزعمت أن هذا الموقع ربما كان محطة لتوليد الطاقة استنادًا إلى نظريات غير مدعومة بالأدلة، مثل أفكار العالم نيكولا تسلا.
تناقضات واضحة في الادعاءات
حملة “الدفاع عن الحضارة” المصرية، برئاسة الدكتور عبد الرحيم ريحان، بادرت بتحليل الادعاءات المثيرة التي أطلقها الفريق الأجنبي، معتمدة على دراسة علمية أعدتها الدكتورة رنا التونسي. الدراسة كشفت عن فجوة كبيرة بين هذه المزاعم والحقائق العلمية. أولى هذه الفجوات كانت استناد الفريق إلى نظريات غير موثوق بها ولا تستند إلى أدلة أثرية ملموسة، الأمر الذي يضعف مصداقية هذه الافتراضات.
الهفوات لم تقتصر على الاعتماد على نظريات غير مثبتة فقط، بل شملت أيضًا الترجمات الخاطئة للنصوص القديمة. بعض المؤيدين لهذه النظريات زعموا أن النقوش المصرية القديمة، مثل نقش مسلة حتشبسوت “وأضاءت بنورها”، تشير إلى استخدام المصريين للكهرباء. غير أن التحليل اللغوي والتاريخي لهذه النصوص أفاد بأن العبارة تحمل معنى مجازيًا عن العظمة والتجلي، بعيدًا تمامًا عن فكرة توليد الطاقة.
أدلة أثرية تقوض المزاعم
الحقائق الأثرية تعتبر رادعًا قويًا لهذه الادعاءات. على سبيل المثال، أكدت نصوص متون الأهرام الموجودة داخل هرم أوناس وظيفة الأهرامات كمقابر ملكية، وهو ما يتناقض مع فرضية استخدامها لتوليد الطاقة. إضافة لذلك، مسألة غياب المومياوات في بعض الأهرامات تم تفسيرها بشكل واضح على أنها نتيجة تعرضها للسرقات وليست دليلاً على أي وظائف أخرى لهذه المنشآت.
الأدلة الجيولوجية والهندسية تحسم الأمر
من جهة أخرى، أشار خبير الترميم فاروق شرف إلى أن هرم خفرع شُيد على قاعدة صخرية صلبة، مما يلغي الحاجة إلى أعمدة أو فراغات أسفله. دراسات علمية مثل مسوحات رادار الاختراق الأرضي (GPR) وتقنيات التصوير باستخدام الميونات، أكدت بالفعل عدم وجود أي فراغات أو هياكل خفية تحت الهرم. كما أن التصميم الإنشائي للأهرامات يعتمد على كتل حجرية ضخمة لضمان الثبات والاستقرار، وهو أمر يتسق مع غاية استخدام الأهرامات كمقابر.
التساؤلات تقوض النظريات
الدكتور عبد الرحيم ريحان طرح تساؤلاً جوهريًا: إذا كانت الأهرامات قد بُنيت كمحطات لتوليد الطاقة، فما الغاية من بناء المعابد الجنائزية وأهرامات الملكات القريبة منها؟ غياب إجابة منطقية عن هذا السؤال يعمق الشكوك في صحة هذه الادعاءات. كما أشار الدكتور إلى أن مثل هذه النظريات تعكس سوء فهم عميق للحضارة المصرية القديمة، وتجاهلاً لما تم إثباته علميًا وأثريًا بشأن بناء الأهرامات كإعجاز هندسي لأغراض جنائزية.
هذه الادعاءات وصفت بأنها جزء من محاولات لتحريف التاريخ المصري، وهو ما أكده الخبراء استنادًا إلى أدلة قاطعة تنفي أي وجود لهياكل تحت الأرض أو أي دور تكنولوجي خيالي للأهرامات، مما يعزز الفهم الراسخ لها كرموز للحضارة المصرية القديمة وعبقريتها الهندسية.