مع اقتراب حدث رياضي كبير، تحول ملعب سايتاما إلى بؤرة للأنشطة الرياضية في القارة الآسيوية، حيث يستضيف مواجهة من العيار الثقيل بين المنتخب السعودي ونظيره الياباني، ضمن الجولة الثامنة من التصفيات الآسيوية المؤهلة إلى كأس العالم 2026. المواجهة المرتقبة تجمع بين اثنين من عمالقة القارة الصفراء، فكلا المنتخبين يحملان في جعبتهما قائمة حافلة بالألقاب القارية والإنجازات، رغم أن حضورهما الكبير على الساحة الآسيوية تأخر حتى الثمانينيات، بعد هيمنة طويلة لإيران وكوريا في العقود الأولى من البطولة.
كرة القدم اليابانية بين التوهّج والظلال
رغم تعدد النجاحات التي حققتها كرة القدم اليابانية على المستويين المحلي والدولي، إلا أن اللعبة الشهيرة ما زالت تواجه منافسة شرسة للحفاظ على مكانتها وسط الجمهور في اليابان. ففي الوقت الذي هزم فيه المنتخب الياباني العملاقين الألماني والإسباني في مونديال قطر 2022، وحقق العديد من الإنجازات الأخرى مثل الفوز بأربعة ألقاب قارية ووصوله إلى مراحل متقدمة في الأولمبياد، تبقى كرة القدم بعيدة عن أن تحتل المرتبة الأولى في قلوب اليابانيين.
الجمهور الياباني لا يضع كرة القدم على قمة الرياضات المفضلة لديه، وهو أمر يبدو غريبًا في ظل تألق الأندية والمنتخب الوطني. الإجابة عن هذا التناقض تكمن في شعبية رياضة البيسبول، التي تأتي في المرتبة الأولى بلا منازع وفقًا لاستطلاعات الرأي، لتستمر في الهيمنة كواحدة من أبرز الرياضات في الثقافة اليابانية.
البيسبول.. الرياضة التي لا تهزم
أظهرت استطلاعات رأي حديثة أرقامًا تؤكد تصدر البيسبول كأكثر الرياضات شعبية في اليابان. وفقًا لاستطلاع أجرته صحيفة “يوميوري شيمبون”، حصلت البيسبول على نسبة 45% من الأصوات كأكثر الرياضات شعبية في البلاد، بزيادة ملحوظة مقارنة بالسنوات السابقة. في المقابل، جاءت كرة القدم في مراكز أدنى، ما يبرز تفوق رياضي مستمر لمنافسها التقليدي.
تأثير البيسبول في اليابان لا يتوقف عند الاستطلاعات؛ بل يمتد إلى الأسماء الرياضية الشهيرة. اللاعب شوهاي أوهتاني، نجم دوري البيسبول الأمريكي، جاء كأكثر الرياضيين شعبية متفوقًا بفارق كبير عن كاورو ميتوما، لاعب كرة القدم الياباني المحترف في الدوري الإنجليزي، مما يعكس هيمنة مميزة لهذه الرياضة على المشهد الرياضي في اليابان.
الأجيال الشابة وميلها نحو الرياضة التقليدية
البيسبول ليس فقط الخيار الأبرز لدى الأجيال القديمة، بل حتى الشباب الياباني يبدو متمسكًا بهذه الرياضة التقليدية. استطلاع رأي أجرته مجموعة “ساساكاوا” الرياضية أظهر أن الجيل الجديد من اليابانيين يفضل متابعة دوري البيسبول الياباني على منافسات كرة القدم. الأكثر إثارة للدهشة هو أن حتى دوري البيسبول للمدارس في البلاد تفوق في شعبيته على نسخة الدوري المحلي لكرة القدم.
التفوق لم يقتصر على نسب المتابعة فقط، إذ أشار موقع “Statista” بأن البيسبول تصدر المشهد كأفضل الرياضات متابعة تلفزيونيًا وأعلى من حيث الحضور الجماهيري في الملاعب، مما يشير إلى ارتباط عميق بين الجمهور الياباني وهذه الرياضة التقليدية.
تاريخ طويل وجذور متجددة
الهيمنة الحالية للبيسبول في اليابان لم تكن وليدة اللحظة؛ بل هي نتاج تاريخ طويل يمتد إلى عام 1859 عندما أدخلها المغتربون الأمريكيون والبريطانيون لأول مرة إلى البلاد، قبل أن ينشرها المعلم الأمريكي هوارس ويلسون في 1872 كلعبة مدرسية. تطور الأمر تدريجيًا حتى تم تأسيس أول نادٍ احترافي في 1878، ومن ثم الانتقال إلى دوريات احترافية كاملة في ثلاثينيات القرن الماضي.
شعبية البيسبول عززتها الإنجازات الرياضية العالمية، إذ فاز المنتخب الياباني ببطولة العالم ثلاث مرات، آخرها عام 2023، إلى جانب حصد 4 ميداليات أولمبية، آخرها ذهبية طوكيو 2020. هذه الإنجازات التاريخية أضافت بعدًا جديدًا للعبة، حيث أصبح صداها يتردد بقوة ليس فقط محليًا، بل على المستوى الدولي أيضًا.
مستقبل كرة القدم في ظل المنافسة
رغم كل التحديات التي تواجهها كرة القدم في اليابان، يظل الأمل معقودًا على استثمار النجاحات الأخيرة للمنتخب الوطني في تغيير النظرة الجماهيرية تجاه اللعبة. يحتاج المعنيون بكرة القدم إلى استراتيجيات مبتكرة تعزز من تفاعل الجمهور الشبابي ودعمهم للدوري المحلي، مع التركيز على النجاحات على المستوى الدولي.
المنافسة القوية مع البيسبول والسومو والتزلج تجبر كرة القدم على تقديم المزيد لاستعادة موقعها في قائمة الرياضات الأكثر شعبية في البلاد. المهمة ليست سهلة، لكنها تظل ممكنة في دولة اعتادت على كتابة التاريخ وتحقيق النجاحات الكبيرة.