مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، استأنف الرجل نهجه الصدامي الذي لا يتماشى مع الأعراف الدبلوماسية أو العلاقات الدولية، على غرار ما كان عليه الحال في ولايته الأولى، أسلوبه المتعجرف والتعامل الفوقي لم يقلق خصومه فحسب، بل امتد ليشمل حلفاء واشنطن، الذين أصبحوا أكثر حذرًا من سياساته غير المتوقعة.

الطوفان والمتغيرات الإقليمية

الواقع على الأرض تغيّر كثيرًا منذ مغادرته السلطة، خاصة بعد صدمة إسرائيل بطوفان الأقصى ومحاولاتها تصفية القضية الفلسطينية وفرض هيمنتها على الشرق الأوسط دون اللجوء إلى حل الدولتين. عاد ترامب حاملًا رؤيته الخاصة للصراع، والتي سبق أن صرّح بها قبل وصوله إلى البيت الأبيض، إذ لا يرى حلًا سوى في تهجير الفلسطينيين وتوسيع حدود إسرائيل، متجاهلًا أي اعتبارات قانونية أو إنسانية.

العجرفة الأمريكية: سياسة ثابتة عبر العقود

منذ عقود، تتعامل الولايات المتحدة مع حلفائها وكأنها القوة العظمى التي تفرض إرادتها، بينما تستخدم العقوبات الاقتصادية والضغط العسكري ضد خصومها، لم تكن أمريكا يومًا دولة تنشر السلام والمحبة، بل هي من صنعت الصراعات تحت شعارات مختلفة.

شاركت الولايات المتحدة في الحرب العالمية الثانية كغيرها من الدول، لكنها تفرّدت باستخدام القنابل الذرية ضد هيروشيما وناغازاكي، ثم، في سياق الحرب الباردة (1947-1991)، خاضت مواجهة طويلة مع الاتحاد السوفيتي والصين، وامتدت تدخلاتها عبر عقود، بدءًا من الحرب الكورية وحرب فيتنام ، مرورًا بالغزو الأمريكي لجرينادا وبنما، وصولًا إلى حروب الشرق الأوسط.

لم تتوقف التدخلات الأمريكية بسقوط الاتحاد السوفيتي، بل اتخذت أشكالًا متعددة، منها الاقتصادي والسياسي والعسكري، كانت الولايات المتحدة طرفًا رئيسيًا في حرب الخليج عام 1991 لإخراج العراق من الكويت، ثم قادت غزو أفغانستان عام 2001 بحجة القضاء على التنظيمات الإرهابية “القاعدة وطالبان”، لكنها في النهاية سلّمت البلاد مجددًا لطالبان، في مشهد يعكس البراغماتية الأمريكية.

في 2003، غزت أمريكا العراق بذريعة امتلاك أسلحة دمار شامل، ولم تعثر على أي دليل يثبت ذلك، لكنها لم تواجه أي محاسبة دولية، ولم تُجبر على تعويض العراقيين أو تحمل مسؤولية الفوضى التي خلّفتها.

أما في الشرق الأوسط، فقد كثّفت واشنطن تدخلاتها بعد اندلاع الربيع العربي، متذرعة تارة بمحاربة الإرهاب، وأخرى بمواجهة الأنظمة الاستبدادية، لكنها في كل الأحوال نصّبت نفسها وصيًا على المنطقة دون رقيب.

ازدواجية المعايير: أوكرانيا وغزة

مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، فرضت أمريكا عقوبات صارمة على موسكو، واتهمت الرئيس الروسي بارتكاب جرائم حرب، وسعت لملاحقته دوليًا، لكن عندما بدأت إسرائيل حرب الإبادة ضد قطاع غزة، استخدمت واشنطن حق النقض (الفيتو) لمنع أي قرار يدين العدوان، بل هاجمت المحكمة الجنائية الدولية عندما أصدرت مذكرة اعتقال بحق بنيامين نتنياهو، في تأكيد جديد على ازدواجية المعايير.

الوسيط غير المحايد في القضية الفلسطينية

منذ عقود، تدّعي الولايات المتحدة أنها وسيط سلام في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، لكن دعمها المطلق لتل أبيب، سياسيًا وعسكريًا، يكشف انحيازها الواضح، لم يكن الأمر مختلفًا في عهد ترامب، ولن يكون كذلك في المستقبل، حيث تبقى المصالح الإسرائيلية على رأس أولويات السياسة الأمريكية، حتى لو جاء ذلك على حساب القانون الدولي وحقوق الإنسان.

. .80pr