قرار حديث للمحكمة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان يقضي بأن المرأة التي ترفض ممارسة الجنس مع زوجها لا يتعين النظر إليها على أنها “مخطئة” خلّف نقاشا في الوسط الحقوقي المغربي، بعد أن رحبت فاعلات حقوقيات بالقرار بوصفه “انتصارا لحقوق المرأة في المعنى الكوني والعالمي لهذه الحقوق”، منتظرات بأن “يشهد السياق المغربي سجالات من شأنها الدفع نحو تجريم المعاشرة الزوجية التي تتم من خلال إكراه الزوجة على ذلك”.
المحكمة سالفة الذكر، وهي تنظر في قضية فرنسية حكم القضاء المحلي باعتبارها “مخطئة”، قالت، في بلاغ اطلعت عليه هسبريس، إن “مفهوم ‘الواجب الزوجي’، على النحو المنصوص عليه في التشريع الفرنسي المحلي والذي أعيد تأكيده في هذه القضية، لا يأخذ في الحسبان الموافقة التي تسبق خوض العلاقة الجنسية”، (..) معتبرة أن الأمر على هذا النحو “يتعارض مع الحرية الجنسية والحق في الاستقلال البدني”.
التجريم
سميرة موحيا، رئيسة فيدرالية رابطة حقوق النساء، قالت إن “الحرية الجنسية داخل الفضاء الأسري واحترام رغبة الزوجة من عدمها يتطلب، اليوم، مساندة النقاش بالحسم في التوجه الذي نود أن تسير وفقه القوانين”، معتبرة أن “القيم الكونية، التي أثمرت قرارات قضائية مماثلة في السياق الأوروبي تنتصر لحقوق المرأة داخل بيت الزوجية، ليست إبداعات غربية خالصة بقدر ما هي تعبير عن روح تشاركية ساهمت فيها مجمل الحضارات العالمية”.
وأفادت موحيا، ضمن تصريحها لهسبريس، بأن “المشكل الذي يواجهنا هو استمرار التوجه نفسه في استعداء قيم حقوق الإنسان من لدن مرجعيات ماضوية محافظة كل همها هو الحفاظ على الوضع الحالي”، مشددة على “أهمية إعادة النظر في الوعي المجتمعي المؤطر للمعاشرة الزوجية”، وزادت: “المدخل القانوني جد مهم؛ لهذا يتعين التنصيص صراحة على تجريم الجنس بالإكراه بين الزوجين بوصفه اغتصابا وانتهاكا لحرية الجسد والكرامة الإنسانية”.
ودعت المتحدثة عينها إلى “مؤازرة النقاش العمومي المرتبط بالموضوع لرسم معالم فهم جديدة خارج منطق الوصاية”، مؤكدة كذلك على “نجاعة الاجتهاد القضائي في حماية حقوق الزوجات، خصوصا عندما يغيب النص المؤطر”، وقالت: “لا بد من مقتضيات جديدة لا تكون تراجعية، لا سيما في إطار مراجعة مدونة الأسرة في بلدنا الذي صادق على الاتفاقيات الدولية المؤطرة لحقوق النساء وحضر هذا التوجه في الخطب الملكية والسياسات العمومية”.
استئناف
نزهة بلقشلة، عضو الجمعية الديمقراطية لنساء المغرب، قالت إن “المغرب مطالب باستئناف هذا النقاش من جديد من أجل التوافق حول تعريف موحد وكوني للعنف الجنسي داخل وسط الزوجية”، مضيفة أن “الاغتصاب الزوجي ليس مزحة، بل هو مشكلة حقيقية تواجه العديد من المغربيات؛ مما يستعجل النظر في القانون رقم 103.13 المتعلق بمحاربة العنف ضد النساء وتضمينه هذا المقتضى”.
وأوردت بلقشلة، في تصريح لهسبريس، أن “القضاء المغربي عرف اجتهادات قضت بتجريم الاغتصاب الزوجي، وقرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان يمكن أن يكون مرجعا بما أن حقوق النساء كونية وغير قابلة للتجزيء”، معتبرة أن “بعض الفتاوى والتفسيرات الفقهية المنتشرة بخصوص الواجب الشرعي للمرأة لم تعد صالحة لهذا الزمان. ربما كانت جد متقدمة بالنظر إلى العصر الذي ظهرت فيه ولكنها متخلفة اليوم أمام عصر يتطلب أجوبة جديدة”.
وشددت المتحدثة على “إيقاف الهيمنة الذكورية على النساء، والمعاشرة الزوجية يجب أن تكون برضى الزوجين؛ لأن ممارسة الجنس من خلال إكراه الزوجة لديه آثار خطيرة وتداعيات لا يمكن الاستهانة بها”، مطالبة في هذا السياق “بفتح الباب أمام الاجتهاد القضائي وتكييف بعض المقتضيات بكونها جرائم خطيرة منصوص عليها في القانون الجنائي أو في قانون مكافحة العنف ضد النساء”، وزادت: “الأمر يتطلب قضاة لديهم منطق حداثي ووعي بهذا المعطى”.