أجرت “الحرية” حوارًا خاصًا مع الروائي والمفكر المصري عمار علي حسن، الباحث في علم الاجتماع السياسي بمناسبة مرور 14 عامًا على ثورة 25 يناير، في محاولة لاستعادة الذاكرة النقدية وتحليل مسار الثورة ومآلاتها.
عبر حسن، الذي عايش التفاعلات السياسية والفكرية للثورة، عن رؤيةٍ ثاقبة تُفكِّك تعقيدات المشهد، بدءًا من لحظة الانتفاضة الشعبية التي هزت عروش السلطة، وصولًا إلى التحولات الجذرية التي أعقبتها.
في هذا الحوار، لا يكتفي حسن بتشريح إرث الثورة وأسباب تعثُّرها، بل يطرح أسئلةً جريئةً حول دور القوى المضادة، من جماعة الإخوان إلى بقايا نظام مبارك، مرورًا بالتدخلات الإقليمية والدولية التي عملت على إفشال الحلم الثوري.
كما يتناول بإسهابٍ إشكالية غياب القيادة السياسية الواضحة، وانحراف المسار تحت وطأة الصراعات، وصولًا إلى الواقع الراهن الذي يرى فيه أن “العفن عاد أشد ضراوة”.
من خلال إجاباته، يفتح حسن نافذةً على الدروس المُستفادة، ويؤكد أن قيم الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية تظل حيةً في الضمير الجمعي، رغم محاولات تشويهها.
كما يُناقش بإلحاحٍ ضرورة الإصلاح السياسي، ويدعو الأجيال الجديدة إلى عدم اليأس، معتبرًا أن “الشعب هو الأقوى”، وأن المستقبل لا يزال يحمل بذور التغيير.
إلى نص الحوار:
كيف ترى تأثير ثورة 25 يناير بعد مرور 14 عامًا؟ وهل تعتقد أنها حققت أهدافها الأساسية؟
ثورة 25 يناير حجر ألقي في بحيرة راكدة، أملا في أن يمنعها من التعفن، فهاجت وماجت ثم سكنت، وعاد العفن أشد ضرواة.
ولا يلام هنا ثوار أرادوا تنظيف البحيرة، إنما أولئك الذي أمسكوا أيديهم ليمنعوهم من تنظيفها، وأولئك الذين ألقوا فيها مزيدًا من النفايات كي تبقى على حالها، بعيدا عن هذا المجاز أو تلك الصورة، فالثورة لم تحكم كي تحاسب، أو يتم تحميلها ما وصلنا إليه من تراجع، إنما حكمت القوى المضادة للثورة.
ولأن الثورة لم تحكم، أو تصنع قوة ضاغطة في سبيل عدم الانحراف عن مسارها، فهي لم تحقق أهدافها.
ما أبرز العقبات التي واجهتها الثورة وأثرت على تحقيق مطالبها؟
سبق لي أن تحدثت عن ثعالب سبعة أكلت الثورة هي: جماعة الإخوان والمتحالفون معها، والمجلس العسكري أيام الثورة، وبقايا نظام مبارك من أجهزة أمنية ورجال أعمال وسياسيين وصحفيين، والأحزاب التقليدية التي سُحب البساط من تحت قدميها، والمراهقين الثوريين الذينيك توهموا أنها فرصة للانتفاع الشخصي وليس لبناء نظام سياسي جديد، ونظم سياسية إقليمية رأت أن التغيير الحقيقي في مصر سيمتد إليها، ويهز عروشها، والولايات المتحدة وأوروبا ومعها إسرائيل حيث لا يروق لها أن يقوم في مصر حكم مستقل الرؤية والقرار.
كيف تقيّم دور الشباب الذين قادوا الثورة في ذلك الوقت؟ وهل ترى أن دورهم مستمر حتى اليوم؟
الشباب الحقيقي الذي شارك في الثورة أوسع وأكبر من بعض الشباب الذين طفوا على السطح وروج لهم الإعلام، وتم استخدامهم فيما بعد، بوعي منهم أو من دون وعي، لطعن الثورة في مقتل.
هؤلاء من انتهى دورهم، أما الشباب العريض الراغب في تغيير الأوضاع إلى الأفضل فقد زاد عدده في العقد الأخير.
ما الدروس المستفادة من ثورة 25 يناير التي يجب أن تتعلمها الأجيال الجديدة؟
الدرس الأهم هو أن أي اعتراض واسع أو انتفاض دون خطة وقيادة لن يحقق ما يريد.
والدرس المهم هو أن الشعب هو الأقوى، والاحتجاج السلمي الواسع قوة جبارة تحقق نتائج أهم وأفضل من حمل السلاح وارتكاب أعمال عنف وإرهاب، فالجماعات المتطرفة التي حملت السلاح سنوات سُحقت، وما فعلته أطال عمر نظام مبارك، وجاء الشعب بحناجره ليسقطه.
ومع هذا وجدنا من يتحدث الآن، بلا وعي ولا مسؤولية، عن حمل السلاج من جديد، تحت لافتة مضحكة تسمى “معارضة مسلحة”، فالمتسلح في وجه الدولة له توصيف آخر غير أن يكون معارضًا.
هل تعتقد أن ثورة 25 يناير لا تزال حاضرة في وجدان الشعب المصري أم أنها أصبحت مجرد ذكرى؟
ما يزال حاضرًا بقوة هي الرغبة في تغيير الأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية إلى الأفضل، بغض النظر عن المصطلح الذي يمكن أن يعبر عن هذه الرغبة.
كيف ترى تعامل الإعلام والسياسة مع ذكرى الثورة الآن؟ وهل تُقدَّم الصورة الحقيقية لما حدث؟
الإعلام يعبر عن القوة المضادة للثورة، ويمعن في تشويه يناير، ويزيف التاريخ أمام أعين من صنعوا الثورة وشاركوا فيها.
إلى أي مدى أثرت الثورة على السياسات المصرية خلال السنوات الماضية؟
للأسف سارت السياسات من خلال تصور خاطئ يعتقد أصحابه أو يتوهمون أن الحفاظ على الدولة هو بالتنكر للثورة ومعاقبة الثوار والعمل على منع تكرار ما جرى، وأدى هذا إلى تقديم الأمن على السياسة، والخوف على القبول.
مثل هذا المسار أشد قسوة وأكثر كلفة من المسار الأسهل والأكثر أمنا وهو الاستجابة لمطالب الشعب، وبناء نظام سياسي ديمقراطي ومنجز.
في رأيك، كيف يمكن إحياء قيم الثورة وأهدافها في الظروف الحالية؟
ـقيم الثورة عن الحرية والكرامة والكفاية والعدالة لا يجب أن تموت، لأنها قيم إنسانية لا يمكن تصور حياة حقيقية وحديثة من دونها.
وإحياء ذلك في يد بعض المثقفين والسياسيين المعارضين والمستقلين.
هل ترى أن تحقيق مصالحة سياسية بين الأطراف المختلفة يمكن أن يُعيد الأمل في تحقيق أهداف الثورة؟
يمكن أن يؤدي ذلك إلى حدوث العكس، لكن عودة الأمل معلقة في رقاب جيل جديد، يعرف ما يدور في العالم حوله، ومهما طال الأمد فلن يتخلى عن العيش في ظل نظام سياسي مدني ديمقراطي حديث.
لو عاد بك الزمن إلى عام 2011، هل ترى أن الثورة كانت تحتاج إلى قيادة سياسية واضحة لتوجيهها بشكل أفضل؟
طبعا، سواء كانت سياسة متجسدة في زعيم وطني مدني مؤمن بالديمقراطية، أو مؤسسة سياسية حديثة لديها خبرة في إدارة السياسات وصناعة المستقبل.