يمر اليوم أربعة عشر عامًا على تلك اللحظة التاريخية التي خرج فيها المصريون بمئات الآلاف إلى الشوارع والميادين، مطالبين بالحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية. تلك اللحظة التي شكّلت نقطة تحول في تاريخ مصر الحديث، لم تكن وليدة الصدفة، بل كانت نتاج سنوات طويلة من النضال والتحرك الجاد ضد نظام مستبد هيمن على الحياة السياسية والاقتصادية.

لقد كان لي شرف المشاركة في الإعداد لهذه الثورة العظيمة، سواء من خلال انتمائي لحركة “كفاية” أو الجمعية الوطنية للتغيير، التي مثلت أول محاولة جادة لتوحيد صفوف المعارضة المصرية حول مطالب مشتركة، أبرزها المطالب السبعة التي دعا لها الدكتور محمد البرادعي. كانت تلك المطالب هي البداية التي فتحت آفاق الحلم بالتغيير، وهي التي أوضحت للجميع أن مصر تستحق قيادة تعبر عن إرادة شعبها.

نظام مبارك في سنواته الأخيرة كان يعاني من الترهل والفساد المتزايد، خاصة مع بروز ملف التوريث الذي مثّله جمال مبارك، ومحاولة تعديل الدستور لخدمة هذا الغرض. ثم جاءت انتخابات 2010 لتكون القشة التي قصمت ظهر البعير، بعد أن تدخلت الأجهزة الأمنية بوقاحة غير مسبوقة لتزوير النتائج وإقصاء كل الأصوات المعارضة، بما في ذلك التيار الإسلامي ممثلًا في جماعة الإخوان المسلمين.

في ظل هذا المشهد، ظهر البديل المدني ممثلًا في الدكتور البرادعي، الذي التف حوله العديد من السياسيين من مختلف الاتجاهات الفكرية. كنت شاهدًا ومشاركًا في تأسيس الجمعية الوطنية للتغيير، وفي نشر بيان المطالب السبعة، الذي مثل بارقة أمل للمصريين.

ثم جاءت اللحظة الحاسمة في 25 يناير 2011. رفض النظام الحوار، وأصر على تجاهل المطالب الشعبية بالإصلاح. شاركت مع زملائي في الجمعية الوطنية ومع الحركات الشبابية مثل حركة 6 أبريل في التخطيط لذلك اليوم التاريخي. كان لدينا إحساس بأن الأمر مختلف، لكن ما حدث فاق كل التوقعات. امتلأت ميادين مصر كلها بآلاف المتظاهرين الشجعان الذين كانوا يطالبون بالحرية والكرامة.

تحوّل ميدان التحرير إلى رمز للوطنية والإنسانية، حيث اجتمع المصريون على اختلاف توجهاتهم في لحمة واحدة. شهدنا قصصًا بطولية لا تُنسى، وقدمنا شهداء أبطالًا ضحوا بحياتهم من أجل أن يرى وطنهم الحرية.

نجحت الثورة في تحقيق بعض أهدافها، أبرزها إلغاء ملف التوريث وإجبار مبارك على التنحي. لكن بعد 18 يومًا من الصمود، واجهت الثورة تحديات كبيرة، بدءًا من ضعف الحياة السياسية إلى غياب القيادة القوية القادرة على الحفاظ على مكتسباتها.

اليوم، وبعد مرور 14 عامًا، تواجه ثورة يناير محاولات مستميتة للتشويه والطمس، في ظل نظام يعتمد على القبضة الأمنية والتضييق على المعارضة، واستخدام الإعلام ولجان إلكترونية لنشر الأكاذيب وإسكات الأصوات المختلفة.

لكن رغم كل ذلك، تبقى ثورة يناير حيّة في قلوبنا. لقد أثبتت أن الشعوب قادرة على استعادة حقوقها مهما كانت التحديات. وبالرغم من أن الظروف الحالية أسوأ بكثير مما كانت عليه في 2010، إلا أن التغيير السلمي يظل الخيار الوحيد الآمن لجميع الأطراف.

ثورة يناير لم تكن مجرد حدث عابر، بل كانت فعلًا نبيلًا ونقطة مضيئة في تاريخ مصر، تؤكد أن إرادة الشعب لا يمكن قمعها إلى الأبد. وما زال الأمل قائمًا في أن تعود تلك الروح من جديد، لتعيد بناء مصر على أسس من الحرية والكرامة والعدالة.

. .3anj