تحدث إمام وخطيب المسجد النبوي، الشيخ صلاح بن محمد البدير، في خطبته اليوم عن فضل الصبر على البلايا والمحن، وأهمية اليقين والرضا بقدر الله عند وقوع الفواجع والأحزان.
وقد بدأ بالحديث عن الدنيا بأنها دار ابتلاء، مليئة بالمصائب والهموم، وقال: “الدُّنيا قرارة الأنكاد والأكدار، فجائعها تملأ الوجود، وأحزانها كلما تمضي تعود، وأوجاعها تذيب الفؤاد والأجساد والجماد”، مشيرًا إلى أن الله جعل المحن والمصائب تنبيهًا للمؤمن وتذكيرًا له وتكفيرًا لذنوبه وتطهيرًا لقلبه.
وأوضح الشيخ البدير أن المؤمن لا يجب أن يجزع أو يقنط من رحمة الله عند وقوع المصائب، بل عليه أن يتذكر أن هذه الدنيا دار كدر ونكد، وكل يوم يمر يرى المؤمن مصائب جديدة، مثل الفراق، والوداع، والأحزان المتجددة. وقال: “من رام في الدنيا حياة خالية من الهموم والأكدار فقد رام محالًا.” وأضاف أن من آمن بالقضاء والقدر، هانت عليه المصائب، لأنه يعلم أن كل شيء في الكون هو بتقدير الله ومشيئته، وأن ما يصيبه هو مقدر عليه.
ودعا الشيخ البدير المسلمين إلى الصبر على البلاء وعدم استعجال حدوثه أو الجزع منه. وأكد أن كل بلاء مهما كان ثقيله زائل، وأن بعد العسر يسرًا، وبعد الهزيمة نصرًا، وبعد الكدر صفوًا، وأنه لا يجب أن يستسلم الإنسان للهموم والكآبة، بل عليه أن يتذكر أن الشدة تتبعها رحمة الله. وذكر أن الإنسان يجب أن يتجنب الغرق في الهموم والأحزان، لأن ذلك يشتت فكره ويقصر عمره.
وتابع في خطبته محذرًا من الإفراط في الحزن والندم على ما فات، مؤكدًا أن كثرة التحسر على الماضي والعيش في الألم يعرض النفس للضرر، ويهدد الجسد بالصحة. وأوصى بذكر الله والاسترجاع عند المصائب قائلاً: “إنّا لله وإنا إليه راجعون”، مشيرًا إلى حديث أم سلمة رضي الله عنها، حيث قالت: “ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي، وأخلف لي خيرًا منها، إلا أخلف الله له خيرًا منها”.
وحث الشيخ البدير في خطبته على ضرورة التزام الصبر على حلو القضاء ومره، مع التأكيد على أن الصبر هو جنة المؤمن وحصنه المنيع، فهو الذي يخفف الأذى ويجعل الإنسان صامدًا أمام الشدائد. وأشار إلى أن الصبر مع حسن اليقين بالله يزيد النفس راحة، ويجعل المؤمن أكثر قدرة على تحمل المحن.
كما أكد على أهمية قراءة القرآن الكريم في وقت الشدة، حيث يعد القرآن مفرجًا للكروب وملجأ للقلوب المتعبة، وأوصى بلقاء الأصدقاء الصالحين الذين يخففون الأحزان ويعيدون للإنسان العافية والراحة. كما أضاف أن معرفة المؤمنين الذين أصابتهم مصائب أشد من مصيبتك يخفف من وقعها، ويجعلها تبدو أقل. وأشار إلى أن الأنبياء والأولياء تعرضوا للمحن طوال حياتهم، وهذا يعتبر جزءًا من الابتلاء الذي يؤدي إلى تكفير الخطايا.